قصة نجاح رجل الاعمال محمود العربي
ولد محمود العربي بعام 1932 م في محافظة المنوفية وبالتحديد في مركز اشمون ، اسرة محمود العربي لم تكن بالاسرة الثرية بل على العكس تماما كانت اسرة فقيرة ، بسبب فقر الاسرة قام والد محمود بارساله لكي يعمل في الزراعة ، عندما كان محمود العربي بعمر 3 اعوام بدأ يذهب الى ما يطلق عليه ( الكتّاب ) من اجل حفظ القرآن الكريم ، نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها اسرة محمود العربي لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة ، بدأ اهتمام محمود العربي بالتجارة يظهر في سن مبكرة.
ففي عمر العاشرة بدأ محمود يبيع لعب الاطفال امام منزله ومن ثم قام بشراء العابا نارية و بالونات وغير ذلك من منتجات الاطفال ، بالطبع لم يكن بمقدور محمود شراء تلك المنتجات بكميات كبيرة فهو لم يكن يملك الكثير من المال ، كان محمود العربي يكتفي فقط بربح قدره 40 قرشا ، حينها كان يقوم بانفاق 10 قروش و ادخار 30 قرشا ، بمرور الوقت تعلم محمود العربي الكثير من الحيل خلال عمله ، بعدما توفي والده انتقل محمود الى القاهرة حيث عمل باحدى المحال التجارية في حي الموسكي ، كان العربي يحصل على راتب 120 قرشا في الشهر.
ظل محمود العربي يعمل في ذلك المحل التجاري حتى وصل المرتب الذي يتقاضاه الى320 قرشا شهريا ، خلال عام 1949م انتقل محمود العربي ليعمل في محل جملة ، كان راتبه في ذلك الوقت 4 جنيهات ( 400 قرش ) شهريا ، استمر العربي في هذا المحل حتى ارتفع راتبه الى مبلغ 27 جنيها ، كان محمود العربي يحب كثيرا عمله فقد كان مولعا بالتجارة و البيع و الشراء بل وكان بارعا جدا بها ، خلال عام 1963م كان لدى محمود العربي رغبة في الاستقلال بذاته وبدأ العمل الخاص به ولكن لم يكن يمتلك ما يكفي من رأس المال.
في تلك الفترة اقترح عليه احد اصدقائه ان يبحث عن شخص آخر يقوم بتمويله من اجل بدأ العمل الخاص به ، بعد عناء طويل وفترة صعبة جدا بدأ محمود العربي بالاشتراك مع صديقه اول مشروع له في عالم التجارة ، كان ذلك في حي الموسكي ، كانت ميزانية المشروع حينها لا تتجاوز مبلغ 5 آلاف جنيه ، استمر محمود العربي في توسع نشاطه ليشمل مجموعة اكبر من السلع ، بفضل اجتهاده نمت تجارته بسرعة وتمكن من تحقيق ارباح طائلة ، اصبح لدى العربي و شريكه محلان آخران ، جلب محمود العربي جميع اقاربه للعمل في محلاته.
بصورة تدريجية بدأت تجارة محمود العربي تزداد ، بالطبع لم يكن طريق محمود العربي نحو النجاح ممهدا ، فخلال مسيرته الناجحة لاقى العديد من الصعوبات ، منها انه وبعد تحقيقه للنجاح في مجال بيع الادوات المدرسية و المكتبية في حي الموسكي اصدرت الحكومة قرارا بصرف الادوات المدرسية مجانا ، الامر الذي ادى الى تراجع ارباح محمود العربي بصورة كبيرة ، حينها قرر العربي التوجه الى تجارة الادوات المنزلية و الكهربائية مثل الراديو و التلفاز و غير ذلك ، كان عام 1975م هو عام الحظ بالنسبة لمحمود العربي.
حيث تعرف العربي على شاب ياباني يدرس في الجامعة الامريكية بالقاهرة ، هذا الشاب كان دائم التردد على محلات محمود العربي ، لحسن حظ العربي فقد كان هذا الشاب يعمل لدى شركة توشيبا الغنية عن التعريف ، كتب ذلك الشاب تقريرا مفصلا لشركته بان شركة محمود العربي هي افضل من قد يحصل على توكيل لبيع منتجات توشيبا في مصر ، وافقت شركة توشيبا على اعطاء محمود العربي التوكيل ليسافر بعدها العربي متوجها الى اليابان ليتفقد مصانع الشركة ، خلال زيارته لليابان طلب محمود العربي من شركة توشيبا ان يتم انشاء مصنع لانتاج الاجهزة الكهربائية في مصر.
تم الاتفاق على ان يكون المكون المحلي للمنتجات بنسبة 40% مع مرور الاعوام زادت هذه النسبة لتصبح 95% ، في عام 1978م قام محمود العربي بتأسيس شركة توشيبا العربي ، معروف عن العربي اهتمامه بموظفيه ولذلك قام بتوسيع نشاطه بحيث يشمل عدة مواقع مثل جزيرة بدران بشبرا بالاضافة الى بورسعيد ، العربي قام ايضا بانشاء مصانع في بنها وفي المنطقة الصناعية في قويسنا بمحافظة المنوفية ، لم يكتفي العربي بذلك بل ايضا افتتح مصانع في كلا من بني سويف و اسيوط ، وصل الامر بمحمود العربي لانشاء شركة خارج مصر في كل من هونج كونج و جنوب افريقيا بالاضافة الى السودان.
واصل محمود العربي سلسلة نجاحاته ففي عام 1980م تم انتخاب العربي كعضو بمجلس ادراة غرفة القاهرة ، كما تم اختياره ايضا امينا للصندوق ، في عام 1995م تم انتخاب محمود العربي كرئيسا لاتحاد الغرف التجارية ، من اقوال محمود العربي : ( أنا في الأصل تاجر، ودخلت الصناعة من باب التجارة الذي أفهم فيه ، وفى الثمانينيات ألح عليَّ محافظ القاهرة آنذاك أن أرشح نفسي لعضوية مجلس الشعب، ولكن إلحاحه باء بالفشل، ثم طلب مني المحافظ التالي نفس الأمر، وبعد طول إلحاح منه، وافقت والتحقت بمجلس النواب لدورة واحدة، لكنني رأيت أن هذه العضوية كانت مضيعة للوقت بالنسبة لي، فكان مصنعي ومتجري أولى بي ، أما السياسة فلها رجالها، وأنا لست منهم ).
لم يهتم محمود العربي بالعمل التجاري فقط بل ايضا لم ينسى الاعمال الخيرية التي كانت مسيرته مليئة بها ، حيث قام ببناء مسجد اطلق عليه اسم ( الرحمن الرحيم ) والذي يعتبر من اكبر المساجد في القاهرة ، كما قام بتأسيس جمعية خيرية في محافظة المنوفية بميزانية بلغت 250 مليون جنيه ، اقام العربي ايضا سلسلة من الاعمال الخيرية ، تنوعت هذه السلسلة ما بين المدارس و المعاهد المتخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ، كان معروف عن محمود العربي تطبيق مقولة : ( اعطٍ الاجير حقه قبل ان يجف عرقه ) ، فقد كان يهتم كثيرا بحقوق موظفيه.
في الحقيقة كان محمود العربي ينظر الى موظفيه على انهم شركاء له وليسوا مجرد موظفين لديه ، ربما كان هذا هو سر نجاحه ، من ضمن الامور التي قام بها محمود العربي تجاه موظفيه انه جعل لكل موظف لديه بوليصة تأمين بكامل اجره وليس بربعه فقط كما هي العادة ، كان محمود العربي ينظر الى الموظف بعد التقاعد على انه يستحق حياة كريمة فالموظف ليس سلعة يتم استهلاكها ومن ثم التخلص منها فيما بعد ، عُرف عن العربي ايضا انه كان يُقرض اي موظف يحتاج الى اي شيء ، حصل محمود العربي خلال مسيرته على العديد من الجوائز.
في عام 2009م حصل محمود العربي على جائزة ( وسام الشمس المشرقة ) ، هذا الوسام يعتبر هو ارفع وسام بدولة اليابان ، حصل العربي على هذا الوسام بسبب دوره الفعال في تحسين العلاقات الاقتصادية بين دولتي مصر و اليابان ، في عام 2021م وبالتحديد في يوم الخميس الموافق التاسع من شهر سبتمبر فارق محمود العربي الحياة والذي اطلق عليه لقب شهبندر التجار عن عمر 89 عام ، لتنتهي بذلك مسيرته الحافلة بالانجازات سواء في مجال الصناعة او التجارة وبكل تأكيد العمل الخيري.