قصة رسمتي فيها حكايتي

0

بإحدى الروضات كانت هناك طفلة في غاية الجمال واللطف، كانت تبلغ من العمر خمسة أعوام؛ وبإحدى الأيام لاحظت عليها مدرسة الفصل تغييرا ملحوظا في رسومات الطفلة؛ وقد كانت مدرسة في غاية الجد والاجتهاد محبة لكل طلابها الصغار ومتفانية لأبعد الحدود في عملها، ذهبت المعلمة على الفور إلى مديرة الروضة وحثتها على التدقيق في رسومات الطفلة، فعلى غير عادة الطفلة المشهودة بها فقد استخدمت اللون الأسود دونا عن بقية الألوان، وقامت برسم كل رسوماتها عبارة عن وجوه عابسة، وكانت من بداية الدراسة ترسم زهورا ونجوما في السماء ومياه زرقاء صافية.

تعجبت المديرة ولم تدري ما تفعل حينها، دخلت على شبكة الإنترنت العالمية بحثا عن أية معلومة تستفيد بها ولكنها للأسف الشديد لم تجد؛ ومازالت المديرة والمعلمة تبحثان عن السبب الخفي وراء تغير مزاج الطفلة وقلة نشاطها وسكونها الغير طبيعي بالفصل، ولم تغامر المديرة بالإرسال في طلب والدة الطفلة خوفا من نقل أوراق الطفلة إلى روضة أخرى وحينها لن تتمكنا من مساعدة الطفلة المسكينة.

وبعد يومين من رسومات الطفلة جاءت الطفلة إلى الروضة وقد قامت المعلمة بإرسالها إلى المديرة وبيدها ورقة قد كتبت عليها معلمة الفصل “انظري إلى خدها الأيسر”، وقد كانت الطفلة مضروبة بالكف على خدها الأيسر، كانت الساعة حينها الثامنة صباحا في بداية اليوم الدراسي، ويتضح من لك أن الطفلة قد تم ضربها قبل قدومها إلى الروضة.

اجتمعت المديرة بمعلمة الفصل وبقية معلمات الروضة للتفكير في إيجاد حل، وأخيرا توصلن جميعا إلى الحل وتم تطبيقه على كل أطفال الروضة، تلحق يوميا بحقيبة الطفل مجموعة من الرسومات وعلى الأهل تحديد هوية طفلهم من خلال اختيار رسمة واحدة من الرسومات المرفقة، لاحظن تواصل كل الأهل إلا أهل الطفلة المقصود بها الحكاية لمعرفة ما تعاني منه بمنزل عائلتها.

وبعد عدة أيام جاءت الطفلة إلى الروضة وقد كانت جريحة الجبين، وعندما سألتها المديرة عما أصابها، أجابت الطفلة ببراءة شديدة أن والدتها قد رشقت رأسها بحائط الحمام عندما رفضت الاستحمام؛ لم تستطع المديرة تمالك نفسها أكثر من ذلك فأرسلت طلبا في مقابلة والدة الطفلة، وعندما حضرت الأم لاحظت المديرة شيئا عجيبا، وقد كان عمر والدة الطفلة فقد كانت كبيرة للغاية في العمر، فشرعت المديرة في حديثها بتروي وحكمة بالغة، وأخبرت الوالدة بأن طفلتها مجتهدة وذكية للغاية وأن معدل ذكائها يفوق عمرها ولكن لوحظ عليها في الآونة الأخيرة قلة نشاطها وعدم اندماجها مع زميلاتها بالفصل ولا حتى المعلمة، بدأت الأم بالحديث وقد أخبرت المديرة بأنها لم قضت نحبها تنتظرا طفلا طوال عمرها، وعندما من الله عليها بابنتها الوحيدة لا تجيد التعامل معها كليا، وأنها امرأة أمية لا تجيد القراءة والكتابة فكيف ستتسنى لها فرصة مساعدة ابنتها بدراستها؟!

هنا اتضحت الصورة كاملة للمديرة ولمعلمات الروضة، أن والدة الطفلة امرأة كبيرة بالسن ولم ترزق بأبناء من قبل لذلك تعاني من صعوبة التعامل مع طفلة صغيرة تحب أن تلهو تلعب ولا تكف عن نشاطها الدائم، ولم تتجاوب مع الرسومات التي أرسلنها إليها لأميتها ولم تكن متعمدة.

تفهمن جميعا المشكلة وبدأن في حلها، فقد أحبت والدة الطفلة المديرة والمعلمات وأخذت تزور الروضة مرتين أسبوعيا وأية مشكلة تواجهها مع طفلتها تأخذ بنصحهن وإرشادهن، كما عمدت المديرة إلى تخصيص حصة لرسم الأطفال حتى تتمكن من معرفة شخصياتهم جميعا ومعرفة المشكلات التي يعانون منها للمساهمة في حلها من أجل جيل واعد محقق لكل الآمال والطموحات المنشودة منه.

عادت الطفلة الجميلة سعيدة من جديد وواصلت رسوماتها الجميلة بألوانها الزاهية، هنا تأكدن جميعا من عودتها كما كانت كسابق عهدها وزوال المشكلة من درب طريقها.

عممت المديرة فكرتها على كل روضات الدولة وعملت كثيرا واجتهدت حتى وصلت لتحقيق فكرتها، وكانت رسومات الأطفال تعبر عن مشكلاتهم، فالأطفال صغارا للغاية على التعبير عما بداخلهم بواسطة الألفاظ اللغوية ولكنهم قادرون على الرسم وتوصيل ما بداخلهم عن طريقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *