قصة القاضي العادل والحمار الأصيل

0

كان القاضي يمشي حول مزرعته متأملاً التلال والاشجار فسمع نهيق حمار، فالتفت ناحية الصوت ورأي حماراً يحمل علي ظهره ثماراً ويتلقي ضربات العصا والاهانة بمنتهي الاستكانة، فتقدم الي صاحب الحمار وسأله : لماذا تضرب الحمار ؟ قال الرجل : لأنه عنيد وكسلان، فقال القاضي : لعله مريض او تعبان، قال الرجل في عصبية : ألا يكفي انني اطعمة واسقية، اتريدني فوق ذلك أن اداوية ؟ اخذ القاضي يتأمل الحمار، كان جسده هزيلاً ولونه باهتاً واضلاعه نافرة، فاشفق عليه وقرر ان يشتريه ويصحبه الي مزرعته حتي يداوية .

قبض صاحب الحمار المال ورفع الثمار عن ظهر الحمر وعاد به القاضي فرحاً الي الدار، رحبت عائلة القاضي بالحمار وفرح به احفاده الصغار وغسلوه بالماء والصابون حتي تحول لونه الرمادي الباهت الي فضي لامع واطعموه العشب اليابس والشمندر والجزر والشوفان ولحبوب حتي استعاد صحته وعادت له ضحكته .

اخذ الصغار يركبون كل يوم علي ظهر الحمار وهم يغنون ويمرحون، وهو يسير بهم في البستان وهو راض وفرحان الي ان انتهت عطلتهم الصيفية وعادوا الي ايام الدراسة اليومية ولم يعد يراها إلا في الاجازات، ومع مرور الوقت اشتاق الحمار للناس وللشوارع والاسواق وبدأ يشعر بالوحدة والاكتئاب .

وفي احد الايام كان الحمار في الحظيرة فسمع صوت التليفزيون ففكر في دخول منزل القاضي ليملأ وقته ويسلي نفسه، ما إن رآه القاضي يقف في منتصف الصالون حتي سأله باستغراب : كيف تدخل المنزل دون ان تستأذن ؟ لم يجبه الحمار لأنه كان منشغلاً بمتابعة الاخبار وعندما امره القاضي بالخروج من الصالون، ظل يحدق في شاشة التليفزيون، لم يعد امام القاضي الا جر الحمار من ظهره، لكن الحمار تشبث في ارضه ورفس القاضي في بطنه .

صرخ القاضي : آآآآه ، اهذا جزاء من خلصك من العذاب وآواك ؟! عتاب القاضي ذكر الحمار بالماضي، فشعر بذنبه واعتذر منه وقال : سامحني يا حضرة القاضي فأنت تعرف انني حمار، سأله الماضي : ماذا بك ايها الحمار ؟ قال الحمار : اشعر بالملل واريد العمل، سأله القاضي : اتريد ان تعود الي صاحبك كي يضربك ويستغلك ؟ اجاب الحمار : لا ارجوك يا حضرة القاضي، قال القاضي : حيرتني ايها الحمار قل لي ماذا تريد ؟ – ان تجد لي وظيفة . – ان قاض استمع الي مظالم الناس واحكم بينهم بالعدل فكيف سأجد لك وظيفة ؟ – ما رأيك ان اوصلك الي عملك بدلا من سيارتك ؟ – شكراً لك ايها الحمار لكني افضل ان اركب سيارتي فهي تقيني من حر الصيف وبرد الشتاء .

– إذا سأجرك انت وسيارتك الي عملك . – لا بل الافضل ان اعيدك الي صاحبك بشرط ان يتعهد ألا بضربك . – وإن نكث بوعده وضربني ؟ – سأحكم عليه بالسجن ، وهكذا عاد الحمار الي الدار فوجد صاحبه يجلس تحت الشجرة مهموماً بعد ان تخلي عن الحمار وخسر المال وبات يحمل الثمار علي ظهره ويدور بها في الاسواق والمحال الي ان اصيب ظهره بألم اقعده في الدار، اشفق عليه الحمار وقال : صحيح انك ظلمتني وتخليت عني لكن الحياة انصفتني، وعلمتني انه مثلما هناك انسان ظالم هناك آخر عادل، وان الله يرانا ويسمعنا ويحاسبنا فيكافئنا او يعاقبنا، واعتقد ان الله قد عاقبك، سأله الرجل : هل سامحتني ؟ – بشرط ألا تظلمني ، – انت فعلا أصيل ايها الحمار الجميل، ابتسم الحمار وشعر بالافتخار ووعد صاحبة بان يحمل الثمار علي ظهره ويدور بها في الاسواق ويعوضه عما فات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *