قصة الشجرة المسحورة
كان هناك ثلاثة أصدقاء يعيشون في قرية صغيرة. كانوا يحبون السفر والمغامرة، وكانوا يحلمون بزيارة المدن الكبيرة والأماكن البعيدة. ذات يوم، قرروا الذهاب إلى الصحراء لرؤية النجوم والرمال. اشتروا خيمة وبعض المؤن والماء، وأخذوا حمارهم الوفي معهم.
سافروا لعدة أيام في الصحراء، وكانوا يستمتعون بالمناظر الخلابة والهدوء. لكن في إحدى الليالي، حدثت عاصفة رملية شديدة، وضلوا الطريق. تاهوا في الصحراء، وبدأت مؤنتهم ومائهم ينفذان. بدأوا يشعرون بالخوف واليأس.
في اليوم التالي، رأوا من بعيد شجرة كبيرة تظلل بئرًا. اسرعوا نحوها، متأملين أن يجدوا ماءً ليرووا عطشهم. لكن عندما وصلوا إلى البئر، فوجئوا بأنه جاف. لم يكن فيه قطرة ماء واحدة. شعروا بخيبة أمل كبيرة، وجلسوا تحت الشجرة ليرتاحوا قليلًا.
فجأة، سمعوا صوتًا غريبًا يخرج من الشجرة. نظروا إلى أعلى، فإذا بهم يرون رجلاً عجوزًا يختبئ في فرع من الأفرع. كان الرجل يضحك بصوت عال، ويقول: “أهلاً بكم في شجرتي! أنتم ضيوفي الكرام! هل تودون شرب الماء؟”
الأصدقاء تعجبوا من هذا المشهد، وسألوه: “من أنت؟ وكيف تعيش في هذه الشجرة؟ وأين الماء الذي تتحدث عنه؟”
أجاب الرجل: “أنا من زرعة هذه الشجرة، وأعيش فيها منذ سنوات طويلة. أما الماء فهو مخبأ في جذور الشجرة. إذا ضغطتم على هذه الزر، ستخرج منه خرطوم يسقط منه الماء.”
الأصدقاء لم يصدقوا كلامه، فظنوا أنه مجنون أو مخادع. فقال أحدهم: “إذا كان كلامك صحيحًا، فاظهر لنا الماء.”
فضحك الرجل مرة أخرى، وقال: “حسنًا، سأظهر لكم الماء، لكن بشرط. عليكم أن تختاروا واحدًا منكم ليضغط على الزر. ولكن احذروا، فإن كان الشخص الذي يضغط على الزر كاذبًا أو جبانًا أو حسودًا، فلن يخرج من الخرطوم إلا النار. ولكن إن كان صادقًا وشجاعًا وكريمًا، فسيخرج الماء العذب.”
الأصدقاء ترددوا في قبول هذا الشرط، فخافوا من المخاطرة. فقال أحدهم: “هذه حيلة لتخدعنا. لا يمكن أن تكون هذه الشجرة مسحورة. لن نضغط على الزر.”
فقال آخر: “لا تكن جبانًا. ربما يكون هذا حقيقة. لدينا فرصة واحدة للنجاة. لنجربها.”
فقال الثالث: “أنا أتطوع لأضغط على الزر. أنا لست كاذبًا أو جبانًا أو حسودًا. أثق في نفسي.”
فوافق الأصدقاء على ذلك، وسمح له الرجل بالصعود إلى الشجرة. وصل إلى الزر، وضغط عليه بشجاعة. فإذا به يسمع صوتًا مرعبًا، ويشعر بحرارة شديدة. نظر إلى الخرطوم، فإذا به ينفث نارًا عليه. صرخ من الألم، وسقط من الشجرة.
الأصدقاء اندهشوا من هذه المصيبة، وحزنوا على صديقهم. فقال الرجل: “ألا ترون؟ كان صديقكم كاذبًا أو جبانًا أو حسودًا. لهذا خسر حياته. هل تود أحدكم أن يجرب مكانه؟”
فقال أحدهم: “لا، شكرًا. نحن نعتذر عن إزعاجك. سنغادر هذه المكان.”
فقال آخر: “لا، انتظر. ربما كان صديقنا مخطئًا في شيء ما.
فقال الرجل: “هل تريد أن تجرب أنت؟ هل تعتقد أنك أفضل منه؟”
فقال الصديق: “نعم، أريد أن أجرب. أنا لا أخاف من النار. أنا صادق وشجاع وكريم. لا يوجد شيء يعيبني.”
فقال الرجل: “حسنًا، تعال إلى الشجرة، وضغط على الزر. ولكن احذر، فإن كان في قلبك شر، فستحترق.”
فصعد الصديق إلى الشجرة، وضغط على الزر بثقة. فإذا به يسمع صوتًا جميلًا، ويشعر ببرودة لطيفة. نظر إلى الخرطوم، فإذا به يسقط منه ماء عذب وصافي. فشرب منه بشهية، وامتلأت روحه بالسعادة.
الصديق الآخر ابتهج لهذا المنظر، وصعد إلى الشجرة ليشاركه الماء. فقال الرجل: “ألا ترون؟ كان صديقكم صادقًا وشجاعًا وكريمًا. لهذا نال الماء. هو يستحقه.”
ثم قال للصديق: “أنت ضيفي الكريم. تفضل بالبقاء معي في شجرتي. سأعطيك كل ما تحتاجه. ستعيش حياة ملكية.”
فقال الصديق: “شكرًا لك على كرمك. لكن أنا لا أستطيع ترك صديقي وحده في الصحراء. هو بحاجة إلى المساعدة. هل يمكنك أن تعطيني بعض الماء لأحمله إليه؟”
فقال الرجل: “لا، هذا مستحيل. الماء هو لك وحدك. إن أخذته معك، فسيتحول إلى نار. هذه هي قوانين الشجرة. عليك أن تختار بين صديقك والماء.”
فتألم الصديق من هذا الخيار، وتردد في الإجابة. فقال الرجل: “لا تضيع وقتك في التفكير. صديقك سيموت على أي حال. لم يستحق الماء. أما أنت فستعيش حياة رائعة معي. فقط قل نعم.”
ففكر الصديق قليلًا، ثم قال: “لا، شكرًا. أنا لا أستطيع تخلِّي عن صديقي. هو كان معي في السراء والضراء. هو يستحق الماء أكثر مني. سأذهب معه، وسأشاركه مصيره.”
فغضب الرجل من هذه الإجابة، وصرخ: “أنت أحمق! كيف تضحِّى بحياتك من أجل شخص لا يستحق؟ كيف تتخلى عن فرصة ذهبية من أجل خسارة مؤكدة؟ لقد اخترت النار بدل الماء. ستندم على قرارك.”
ثم ضغط على زر آخر، فانفجرت الشجرة بأكملها، وانهارت البئر. وسقط الصديق من الشجرة، وأصيب بجروح خفيفة. ولكنه نجا من الموت.
نظر إلى حوله، فإذا به يرى صديقه الأول يتنفس بصعوبة. فأسرع إليه، وحمله على ظهر الحمار. ثم سار في الصحراء، متأملًا أن يجد طريق الخروج.
وبعد مسافة قصيرة، رأى علامة تشير إلى قرية قريبة. فسار نحوها، ووصل إليها. هناك وجد مستشفى ومحلات ومطاعم. فأخذ صديقه إلى المستشفى، وعالجه من جروحه. ثم أكل وشرب واستراح.
وبعد أن تعافى صديقه، شكره على ما فعله له. وقال: “أنت صديق حقيقي. أنت أنقذت حياتي. كيف استطعت أن تفعل ذلك؟”
فقال الصديق: “أنا فعلت ما يجب أن يفعله كل صديق. أنا لم أتخلى عنك في الشدائد. أنا لم أضحِّى بك من أجل الماء. أنا لم أصدِّق كلام الرجل الغريب.”
فقال صديقه: “ولكن كيف عرفت أنه كان غريبًا؟ كيف عرفت أن شجرته كانت مزورة؟”
فقال الصديق: “أنا عرفت ذلك من عبرة وحكمة قالها لي جدي قبل أن يموت. قال لي: ‘إذا رأيت شيئًا يبدو جميلًا جدًا، فلا تصدِّقه حتى تتأكد من حقيقته. فالظاهر قد يخفي الباطن. وإذا رأيت شخصًا يعطيك شيئًا بلا مقابل، فلا تثق به حتى تعرف نيَّته. فالمُعطِي قد يكون مُطالِبًا.’”
“وأضاف: ‘وإذا اضطُرِرْتَ إلى اختيار بين شيئَيْنِ، فلا تختار بحسب المظهر أو المادة، بل اختار بحسب القيمة والمعنى. فالشيء الثمين قد يكون رخيصًا، والشيء الغالي قد يكون باهظًا.’”
“وختم: ‘وإذا كان لديك صديق حقيقي، فلا تفارقه أبدًا، ولا تضحِّى به من أجل شيء في الدنيا. فالصديق هو الماء الحي في صحراء الحياة.’”
“هذه هي العبرة والحكمة التي تعلَّمْتُ