قصة الإخوة
خان ورثا عن والدهما قطعة كبيرة للغاية من الأراضي، وكانت هذه الأراضي مقسومة نصفين بالتساوي فهنالك قناة مائية تفصل بينهما، وكان بين الأخين أنقى أنواع التعاون والمحبة بكل الوجود، فعلى الرغم من امتلاك كل منهما لأرضه وزراعته ومائه ومنزله إلا أنهما كانا يأكلان سويا ويشربان سويا، يزرعان سويا ويحرثان سويا، ويتفقان سويا ويتشاوران بكافة الأمور.
كانا ينعمان بحظ وافر من السعادة حتى جاء اليوم الذي حدث به ما لم يكن متوقع بالحسبان؛ اختلفا الأخان واشتد النقاش والجدال بينهما، فصرخ الأخ الصغير بوجه أخيه الأكبر، والآخر حزن كثيرا على حاله وكيف لأخيه الصغير أن يصرخ بوجهه، فقام بتعنيفه حتى أنه قام بضربه.
لم يكن الاختلاف بالشيء الهين ولا اليسير على الإطلاق، وآل إلى أن كل أخ منهما ذهب لمنزل وأغلق بابه في وجه الثاني، ساد الصمت بينهما وازدادت القطيعة وواصلا خصامهما.
ومع مرور الأيام لم يكن ليهدأ بها جرح كل أخ منهما بل كانت تزداد النيران خلالها، فكل منهما حزين ومقهور من تصرف الآخر، كانت نيران الغضب الداخلية تزداد حدتها وتوغر صدر كل منهما، كل منهما رفض الاعتذار من الآخر بينه وبين نفسه وانتظر الآخر من يعتذر.
ومرت الأيام على هذا الحال حتى تجاوزت الثلاثة أسابيع، وإذا بشخص غريب يطرق باب منزل الأخ الأكبر بحثا عن عمل، ومن كثرة غضبه مما فعله الأخ الأصغر على الفور قام بتمكينه من العمل لديه.
كان ذلك الشخص يعتقد أنه سيعمل بزراعة الأراضي، ولكن الأخ الأكبر فاجأه عندما طلب منه أن يقوم ببناء حائط فاصل بين أرضه وأرض أخيه على شرط أن تكون حائطا طويل حتى لا يمكنه رؤية وجه أخيه الصغير مرة أخرى.
أعلمه صاحب الأراضي أنه عليه السفر لبلد أخرى لمدة أربعة أيام، وأن عليه إنهاء بناء الحائط في هذه المدة التي أمهله إياها.
كان رد الرجل الغريب على كل طلب وأمر من مالك الأرض بنعم، ومر اليوم الأول والغريب يعمل بكل جهده وعزيمته، واليوم الثاني مازال يواصل، والثالث هكذا حتى جاء اليوم الرابع كان الرجل الغريب قد أنهى عمله.
وعندما وصل الأخ الأكبر كانت المفاجأة، لقد وجد أخيه الصغير ينتظره أمام منزله، ذهل من هذا الشيء ولم يستطع استيعابه، وإذا بأخيه يركض تجاهه ويحتضنه.
كان الأخ الكبير يتساءل في نفسه قائلا: “ما الذي جاء إلى هنا؟!”
أما الأخ الصغير فأخبره قائلا: “أرجو منك أن تسامحني، لقد أخطأت بحقك وعلى الرغم من كوني المخطئ إلا أنك أنت من بادرت بالمصالحة والرجوع”.
كان الأخ الكبير يقف مندهشا لا يفهم ما الذي يحدث ولا طبيعته حتى رأى فجأة جسرا كبيرا يصل أرضه بأرض أخيه فوق القناة المائية، اندهش الأخ الكبير وهنا علم سبب تغير واختلاف أخيه الصغير، لقد كان كل ذلك بسبب الجسر وتفكير الرجل الغريب.
نظر الأخ الكبير لأخيه الصغير وقد دمعت عيناه: “إنك أخي، والدماء عمرها ما تصير مياه”.
ذهب بعدها للرجل الغريب وسأله: “ما الذي فعلته؟!، لقد طلبت منك بناء خائط فبنيت جسرا؟!”
فقال الرجل الغريب: “لو أني بنيت الحائط لآل بك الحال لبناء الكثير من الحوائط بعدها، حائط بينك وبين أبنائه، حائط بين أبنائك وأحفاده، ولكانت هذه الحائط كلما مر عليها الزمان كلما ازدادت سمكا وطولا وصلابة، اعلم دوما أن المشاكل مهما بلغت حدتها وصعوبتها فإنها لا تحتاج أكثر من مبادرة”.
شكره الأخ الكبير على حسن تفكيه وحسن تدبيره ونظره للأمور، أراد الرجل الغريب المغادرة بنفس اليوم، ولكن الأخ الكبير لم يرد أن يتركه ليرحل فطلب منه البقاء دوما معهما.
ولكنه قال: “لا يمكنني البقاء فلا تزال أمامي الكثير من الجسور التي أريد أن أبنيها”.