كان هناك شاب يدعى أحمد، يحب الرسم والفن. كان أحمد موهوبًا في الرسم، ويخلق لوحات جميلة ومعبرة. لكنه كان خجولًا وهادئًا، ولا يحب الاختلاط بالآخرين. كان يفضل البقاء في غرفته، والانغماس في عالمه الخاص.

ولكن هذا السلوك لم يعجب بعض زملائه في المدرسة. كانوا يعتبرون أحمد غريبًا ومنعزلًا، ويستهزئون به ويسخرون منه. كانوا يطلقون عليه أسماء سيئة، مثل “الأخطبوط” أو “الفأر” أو “المهووس”. كانوا يضايقونه ويعكرون صفوه، ويحاولون تدمير رسوماته.

أحمد كان يتألم من هذا التنمر، ويشعر بالحزن والغضب. لكنه لم يكن يستطيع الدفاع عن نفسه، أو الشكوى لأحد. كان يخاف من ردود فعلهم، ويظن أنه لا أحد يفهمه أو يقدِّره. فكان يصمت، ويحتمل، ويحاول تجاهلهم.

ولكن هذا لم يكفِ لإيقاف التنمر. فكلما زاد صمت أحمد، زادت جرأة المتنمرين. فبدأوا يزيدون من حدة مضايقاتهم، ويستخدمون العنف الجسدي. كانوا يضربونه ويشتمونه ويسرقون أغراضه. كانوا يجعلون حياته جحيمًا.

أحمد كان يشعر بالإحباط واليأس. لم يكن يجد متعة في الذهاب إلى المدرسة، أو في الرسم، أو في أي شيء آخر. كان يشعر بأنه لا قيمة له، ولا مستقبل له. كان يشعر بأنه وحيد في هذا العالم.

ولكن في إحدى الأيام، حدث شيء غير حياته. كان أحد المعلِّمين في المدرسة يدعى محمود، يلاحظ موهبة أحمد في الرسم.

كان محمود معلمًا لمادة التربية الفنية، ويحب الفن والإبداع. كان يرى في أحمد إمكانيات كبيرة، ويود أن يساعده على تطويرها. فقرر أن يتحدث معه، ويشجعه على المشاركة في مسابقة فنية تقام في المدينة.

فذهب محمود إلى أحمد، وقال له: “أحمد، أنا أراك ترسم دائمًا في الفصل. لديك موهبة رائعة. أنا معجب برسوماتك. هل تحب الرسم؟”

فقال أحمد بخجل: “نعم، أنا أحب الرسم. هو هوايتي المفضلة. أشعر بالسعادة عندما أرسم.”

فقال محمود: “أنا سعيد لسماع ذلك. الرسم هو فن جميل، ويحتاج إلى موهبة وتدريب. أنت تمتلك الموهبة، ولكنك تحتاج إلى التدريب. هل تود أن تتعلم المزيد عن الرسم؟”

فقال أحمد: “نعم، أود ذلك. لكن ليس لدي وقت أو مال لذلك.”

فقال محمود: “لا تقلق. لدي لك فرصة عظيمة. هناك مسابقة فنية تقام في المدينة، وهي مخصصة للطلاب الموهوبين في الرسم. الفائز في المسابقة سيحصل على جائزة قيِّمة، وهي منحة دراسية لدراسة الفن في جامعة مشهورة. هل تود أن تشارك في المسابقة؟”

فقال أحمد: “واو، هذا يبدو رائعًا. لكن هل أستطيع ذلك؟ هل لدي فرصة في الفوز؟”

فقال محمود: “بالطبع تستطيع. أنت تستحق ذلك. أنا سأساعدك في التحضير للمسابقة. سأعطيك بعض النصائح والإرشادات، وسأشجعك على إظهار إبداعك. كل ما عليك فعله هو أن تثق بنفسك، وتجتهد، وتستمتع.”

فشعر أحمد بالإثارة والتفاؤل. فقال: “شكرًا لك يا محمود. أنت صديق حقيقي. أنا سأشارك في المسابقة. سأبذل قصارى جهدي.”

ثم بدأ أحمد يتدرب على الرسم بجد وإخلاص، بمساعدة محمود. كان يرسم كل يوم، ويحاول تطوير مهاراته وأسلوبه. كان يستخدم خياله وإحساسه، ويخلق لوحات فريدة وجذابة.

ولاحظ الطلاب الآخرون تغييرًا في أحمد. فرأوه أكثر نشاطًا وحيوية، وأكثر ابتسامًا وتفاؤلًا. ورأوا رسوماته الجميلة، وأعجبوا بها. فبدأوا يقتربون منه، ويتحدثون معه، ويثنون عليه. فشعر أحمد بالسعادة والانتماء. فقال: “أنا لست وحيدًا في هذا العالم. لدي أصدقاء يحبونني ويقدرونني.”

أمَّا المتنمرون فظلُّوا يحاولون إزعاج أحمد، وإفساد مزاجه. لكن أحمد لم يعد يهتم بهم، أو يخاف منهم. بل كان يتجاهلهم، ويستمر في رسمه. فقال: “أنا لست خائفًا من هؤلاء الأطفال الشريرة. لدي هدف في حياتي. سأركز على المسابقة.”

وجاء يوم المسابقة، وذهب أحمد إلى المكان المخصص لها. هناك وجد الكثير من الطلاب المشاركين، كل منهم يحضر لوحة فنية. كانت هناك لجنة من الخبراء تقوم بتقييم اللوحات، واختيار الفائز.

أحمد كان متوترًا قليلًا، لكنه كان متفائلًا أيضًا. كان يثق في عمله، ويفخر به. كان قد رسم لوحة تعبر عن حلمه بالسفر حول العالم، ورؤية مختلف الثقافات والأماكن. كانت لوحة ملونة ومبهجة، تجذب الأنظار.

أحضر أحمد لوحته إلى اللجنة، وعرضها عليهم. فنظرت اللجنة إلى اللوحة بإعجاب، وسألت أحمد عن معناها وإلهامه. فشرح أحمد لهم فكرته، وقال: “أنا أحب الرسم، لأنه يسمح لي بالتعبير عن نفسي، وعن رؤيتي للعالم. هذه اللوحة تعبر عن حلمي بالسفر حول العالم، ورؤية مختلف الثقافات والأماكن. أود أن أكتشف جمال الطبيعة، وتنوع البشرية.”

فابتسمت اللجنة، وقالت: “أحسنت يا أحمد. لقد رسمت لوحة رائعة، تعكس موهبتك وشخصيتك. لقد أبدعت في استخدام الألوان والأشكال، وفي إيصال الرسالة. نحن معجبون بعملك.”

ثم شكرت اللجنة أحمد، وطلبت منه الانتظار حتى تنتهي من تقييم باقي اللوحات. فانتظر أحمد بصبر، وهو يشاهد باقي المشاركين. كان هناك الكثير من اللوحات الجميلة والمميزة، وكان أحمد يقدرها ويحترمها.

ولكن كان هناك أيضًا بعض المشاركين الذين لم يكونوا صادقين أو مبدعين. كانوا يحضرون لوحات مسروقة أو مقلدة، ويزعمون أنها من عملهم. كانوا يحاولون خداع اللجنة، والفوز بالجائزة بطريقة غير شريفة.

ولم يكن من بين هؤلاء المتنمرون الذين كانوا يضايقون أحمد في المدرسة. كانوا قد سرقوا بعض رسومات أحمد من حقيبته، وأخذوها معهم إلى المسابقة. كانوا يظنون أنهم سيستطيعون التغلب على أحمد بهذه الطريقة.

فجاء المتنمرون إلى اللجنة، وعرضوا رسومات أحمد عليها. فنظرت اللجنة إلى الرسومات بدهشة، وسألت المتنمرين عن مصدرها. فقال المتنمرون بكذب: “هذه رسوماتنا. نحن رسمناها بأنفسنا. نحن موهوبون في الرسم.”

ولكن اللجنة لم تصدِّق كلامهم، فقالت: “لا، هذه ليست رسوماتكم. هذه رسومات أحمد. نحن نعرف عمله جيدًا. هو قد عرض علينا لوحة من نفس الأسلوب والإلهام. لقد سرقتم رسوماته، وحاولتم انتحال شخصيته.”

ثم غضبت اللجنة، وقالت: “هذا فعل خسيس وغير أخلاقي. لقد خالفتم قوانين المسابقة، وإهانتم المشاركين الآخرين.

فقالت اللجنة: “لقد خسرتم حقكم في المشاركة في المسابقة، وفي الحصول على الجائزة. سنبلغ عنكم إلى إدارة المدرسة، وسنطالب بمعاقبتكم. اخرجوا من هنا، ولا تعودوا أبدًا.”

ثم طردت اللجنة المتنمرين من المكان، وهم يخرجون بخزي وعار. ورأى أحمد ما حدث، وشعر بالغضب والحزن. فقال: “هؤلاء الأطفال الشريرة. لقد سرقوا رسوماتي، وحاولوا تشويه سمعتي. لقد أخذوا مني شيئًا ثمينًا.”

فجاء محمود إلى أحمد، وقال له: “أحمد، لا تحزن. نحن نعلم الحقيقة. هؤلاء الأطفال لم يستطيعوا أن يضروك. بل كشفوا عن نفسهم. هم ليسوا موهوبين أو شجعان، بل هم سارقون وجبناء. أنت أفضل منهم بكثير.”

ثم قال له: “أحمد، لدي خبر سار لك. لقد فزت في المسابقة. لوحتك كانت الأجمل والأروع. اللجنة اختارتك كالفائز الأول. تهانينا.”

ففرح أحمد بشدة، وقال: “هل هذا صحيح؟ هل فزت في المسابقة؟ هذا رائع. شكرًا لك يا محمود. أنت سبب نجاحي. أنت ساعدتني وشجعتني.”

ثم جاءت اللجنة إلى أحمد، وقالت له: “أحمد، نبارك لك فوزك في المسابقة. لقد رسمت لوحة مذهلة، تستحق الجائزة. هذه هي منحتك الدراسية لدراسة الفن في جامعة مشهورة. نتمنى لك التوفيق والنجاح.”

ثم قامت اللجنة بتسليم أحمد شهادة التقدير والمنحة الدراسية، وصافحته وهنأته. وصفَّق الطلاب الآخرون لأحمد، وقالوا له: “أحمد، نحن فخورون بك. أنت مثال للإبداع والإصرار. أنت تستحق كل خير.”

أحمد كان سعيدًا جدًا، وشكر الجميع على دعمهم وإطرائهم. ثم قال: “أنا ممتن لكل من ساعدني في تحقيق حلمي. خصوصًا محمود،الذي كان معلمًا وصديقًا لي. هو الذي عرَّفني على المسابقة، وساعدني في التحضير لها. هو الذي زرع فيَّ الثقة والأمل. لولاه، لما كنت هنا اليوم.”

ثم احتضن أحمد محمود، وقال له: “شكرًا لك يا محمود. أنت أفضل شخص في حياتي. أنت تغيرت حياتي. أنت تحققت أحلامي.”

فابتسم محمود، وقال له: “عفوًا يا أحمد. أنت تستحق كل خير. أنا فخور بك. أنت موهوب ومجتهد ومتواضع. أنت تغلبت على التنمر، وأظهرت قوتك. أنت تحولت من ضحية إلى بطل.”

ثم قال له: “أحمد، هذه بداية جديدة لك. لديك فرصة عظيمة لدراسة الفن في جامعة مشهورة. ستتعلم الكثير من الأشياء الجديدة، وستلتقي بالكثير من الأشخاص المهمين. ستصبح فنانًا عالميًا، وسترسم لوحات تبهر الجميع.”

ثم قال له: “أحمد، لا تنسى أبدًا حلمك. اجعله دافعًا لك في كل خطوة تخطوها. ولا تنسى أبدًا نفسك. احفظ شخصيتك وقيمك في كل موقف تواجهه. ولا تنسى أبدًا أصدقائك. احتفظ بهم في قلبك وذاكرتك في كل مكان تذهب إليه.”

ثم قال له: “أحمد، أنا سأفتقدك كثيرًا. لكني سأظل دائمًا معك بالروح والدعاء. سأظل دائمًا متابعًا لأخبارك وإنجازاتك. سأظل دائمًا فخورًا بك.”

ثم قال له: “أحمد، استعد لرحلتك الجديدة. سافر بأمان، وارسم بإبداع، وعش بسعادة.”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *