قصة الهــــدية العجيبـــة
في إحدى الأيام كانت هناك طفلة صغيرة بصفها الأول الابتدائي، وبأول يوم دراسي أمسكت الطفلة بيد والدتها ولم ترد أن تتركهما نهائيا، عانت الأم من شدة الخوف الذي وجدته في عيني ابنتها الصغيرة، وتحدثت مع معلمة الفصل بأن تجلس مع ابنتها، وبالفعل أنهت اليوم الدراسي ومازالت الطفلة ممسكة بيدها حتى عادا للبيت سويا.
وجاء اليوم الثاني، لم ترغب الأم في الذهاب مع ابنتها الصغيرة إلى المدرسة لكيلا تتعلق بها مثلما حدث باليوم السابق وحتى تتمكن من التكيف والتأقلم مع زملائها وزميلاتها بالفصل ومعلمتها؛ كانت قد تحدثت مع معلمة الفصل واتفقت معها على خطة من أجل تحبيب ابنتها الصغيرة في المدرسة والذهاب إليها كل صباح بكل حب وشغف.
قامت الأم بشراء هدية ما أجملها، وكانت عبارة عن حقيبة طبيب (نوع من أنواع لعب الأطفال) مليئة بكل المعدات اللازمة لممارسة المهنة من جاكت الطبيب وسماعته وجهاز قياس الضغط وترمومتر قياس درجة الحرارة، كانت باهظة الثمن ولكن الأم كانت في منتهى الحكمة، علمت أن ما ستزرعه اليوم ستحصده غدا.
ذهبت الأم إلى المدرسة مع ابنتها التي مازالت لا تحب الذهاب إلى المدرسة وقد حملا معهما حلوى للأطفال الفصل، قامت الأم بجعل صغيرتها توزع على زملائها الحلوى من أجل تحبيب الأطفال في ابنتها الصغيرة، وعلى انفراد ودون علم من ابنتها أعطت المعلمة الهدية لتقوم بإعطائها لابنتها بعيدا عن زملائها حتى لا يشعر بقية الأطفال بتمييز في المعاملة، ووضحت الفكرة للمعلمة التي تفهمت الأمر، وأعطت الكثير من كلمات التشجيع للصغيرة وأعطتها الهدية بعدما طبعت قبلة ما أروعها على جبينها وحفزتها بكلمات عديدة على كونها من أنجب طلابها وأجملهن شكلا وطبعا.
كانت الأم حينها قد عادت للمنزل، وعندما رجعت الطفلة الصغيرة كانت ما أسعدها في ذلك اليوم، تصنعت الأم الدهشة والتعجب والفرح بالهدية ولكنها بحكمة منها حببت طفلتها في الهدية التي لعبت فيما بعد دورا هاما للغاية في بناء شخصية الابنة الصغيرة.
كانت الأم تجمع لعب ابنتها على كونهم مرضى يتألمون ويرغبون في العلاج الذي سيخفف عنهم آلامهم وأوجاعهم والطفلة تقوم بدورها بعلاجهم جميعا وتخفيف معاناتهم؛ كانت الطفلة تسأل والدتها: “ماذا أفعل حتى أتمكن من تخفيف آلام الغير؟”.
تجيبها والدتها: “تحبي مدرستكِ وتخلصي في دراستكِ فتحصلي على أعلى الدرجات وتلتحقي بكلية الطب، وفي النهاية تصبحين أمهر طبيبة”.
أحبت الطفلة مدرستها وداومت على الذهاب ولم تتغيب يوما، كانت من صغر سنها تداوم على مذاكرة دروسها وتسأل والدتها دوما المزيد، كبرت يوما بعد يوم ولكنها كانت تكبر على هدف سامي تدربت عليه من صغرها، كانت تملك حلما في غاية السمو أهدتها إياه والدتها بطريقة ترسخت داخل وجدانها، علمتها ضرورة التعلم والتمسك بالدراسة حتى يسمو الإنسان بنفسه ويدرك كل ما يدور حوله من كل أرجاء العالم.
حققت الطفلة التي لم تعد طفلة تميزا فريدا وناجحا في درب حياتها وأصبحت طبيبة تسافر كل الأقطار حتى تنقذ كل من يحتاجها وتخفف عنه كلمة آه؛ وأرجعت كل الفضل إلى الهدية العجيبة التي تحايلت والدتها عليها في كيفية إعطائها إياها باللجوء إلى معلمة الفصل لتحبيبها في الدراسة، كما كانت الأم دائمة البحث والاستطلاع مما جعلها أكبر دعم وعون لابنتها الصغيرة التي تمكنت من إيجاد دربها الصحيح وسعت في الوصول إليه بمساعدة أعز إنسانة في الوجود على قلبها (أمها).
الأم فيضان من العطاء، تعطي أبنائها دون أن تنتظر منهم المقابل، تتعب دوما وتسعى من أجل راحة أبنائها والوصول بهم إلى بر الأمان، ولا يوجد شيء أهم من معرفة كل طريقه الذي يسلكه بإنجاز وتقدم، والأهم من كل شيء أن يضع بصمته في مجاله بشكل يذكره التاريخ به.