قصة المخترع الصغير
في الريف الجميل حيث يعيش الفلاح البسيط يزرع الأرض ويرعى الحيوانات ، كان هناك بيت كبير، يدل على أن أصحابه من الأثرياء، هناك نشأ سمير على حب الطبيعة وشجعه أبوه على طلب العلم، فمزج بين ضدين، الإعتناء بالحيوانات وحب الإختراع وإصلاح الآلات وكان يملك مستودع ضخم جعله والده بمثابة مختبر ليتعلم فيه إبنيه أحمد وسمير وجهزه بأحدث التقنيات.
كان سمير يمضي وقتا طويلاً وهو يراقب الأغنام وهو يسجل الأصوات والحركات ويجمع المعلومات من الكتب وكل ذلك من أجل إختراعه الجديد ولم يفصح هذه المرة عما يفعله لأي أحد ولم يطلب مساعدة أخيه وهو طالب في معهد التكنولوجيا ، كما كان يفعل دائما. وبعد تعديلات كبيرة وتجارب كثيرة، نجح سمير في تحقيق حلمه وهو أن يفهم ما تقوله المواشي وكيف تفكر جلس أمام زريبة الأغنام ووضع سماعة صغيرة ولفها حول أذنه وشغلها وكانت المفاجئة، لقد سمع وفهم ما قالته الخرفان: أنظروا سمير الآن يلبس ثياب أنيقة. وقال آخر: إنه دائما مهتم بمظهره إنه ولد نظيف ولطيف. إنه ولد حنون يلاعبنا ويعطف علينا.
كاد سمير يطير من شدة الفرح: لقد نجحت، لقد نجحت. وأسرع ليخبر أخاه احمد، إلا أن أحمد إستغرب قائلا: ومالذي ستستفيده إذا فهمت ما قالته الخرفان، وما يهمك إن أعجبت بثيابك وشخصيتك ما الفائدة الحقيقية من هذا الإختراع ؟ هل سيسهل حياة الناس أم يزيدها تعقيدا؟ هيا أجبني. قطب سمير حاجبيه: أنت تغار مني ليس إلا سأذهب وأستمع المزيد. وفي وقت الظهيرة عاد الأب للبيت وهنأ إبنه على إختراعه وأثنى على مجهوداته ، ثم سأله: لقد أمضيت وقتا طويلا منذ الصباح وأنت تستمع للأغنام قلي مالذي إستفدته يابني، وهل تريدني أن أضع هذه السماعة لأفهم ما تقوله المواشي، فهي لا تعي شيأ سوى الأكل والشرب وتصيح إذا أحست بالخطر وأنا أفهم كل هذا بالخبرة والتجربة ولست بحاجة إلى هذا الجهاز.
سمير : أما أنا فبلى، لقد سمعت الخروف الصغير يبكي لأنك بعت أبوه الكبش، وسمعت الخرفان يقولون أن صاحب الزريبة وضعنا في مجموعة مستقلة ليطعمنا أكثر فنسمن بسرعة ثم يبيعنا للجزار ليذبحنا، ولقد قرر عدم أكل لحم الأغنام بعد الآن، وأنا أحتج ولن أسمح لكم بأكله أو بيعها. إندهش الجميع لهذا التغيير المفاجئ، أما أحمد فخاطب أخاه:
هذا ما كان ينقصنا، ولماذا لا تعمم إختراعك على جميع الحيوانات فتترجم كلام الأبقار والدوجان والكلاب نعم هيا أطلق سراح كلبك ليعيش بحرية ثم أطلق سراح عصفورك الجميل لماذا تحتجزه في قفص ضيق، فلو فهمت غنائه الشجي لسمعته يرثي نفسه ويكاد قلبه ينفطر حزناً، ولا تنسي أن تمتنع عن أكل طبقك المفضل السمك والبيض المقلي، ثم أطلب من جميع الناس أن يفعلوا مثلك.
وفجأة سمعوا ثعاء الخرفان وحركة غريبة، إنطلق الأب واحمد مسرعين أما سمير فشغل جهازه فسمع صراخا وإستغاثة وأصابه هلع شديد: النجدة نحن نختنق، أنقذونا، أي بطني تؤلمني، إنها آلام فظيعة نزع سماعته فكان ذلك أرحم على مسامعه، إنه صوت ثغاء ليس إلا. وعندما وصلوا وجدوا بعض الخرفان على الأرض وهي منتفخة على آخرها تتنفس بصعوبة، شغل سمير جهازه مرة أخرى فسمع مالا يسره، النعجة تصيح من هناك ألم أقل لكم لا تشربوا الماء مباشرة بعد أكل الشعير سينتفخ في بطونكم وتصابوا بالتخمة.
صاحت الخرفان سمير هو السبب نعم سمير هو السبب هو الذي أحضر لنا الماء، إنه ولد صغير لا يعرف من أمورنا شيء، إنه يتكلف ما لا يعنيه شعر سمير بحسرة شديدة وبضيق في صدره يكاد يخنقه ونزع سماعته وعاد إلى البيت مثقل الخطى ومهموم البال وأراد أن يحطم ذلك الجهاز، لكن أمه منعته قائلة لا تفعل ذلك يابني لقد مرت سنوات وأنت تعمل على هذا الإختراع وتريد تحطيمه هكذا ببساطة إنه إختراع رائع. سمير: إنه لايصلح لشيء أخي معه حق هذا الجهاز سيزيد الأمور تعقيدا ويفسد على الناس حياتهم. الأم: إنه لا يصلح لعامة الناس ولكن أنا متأكدة من أن الباحثين سيستفيدون منه كثيرا لدراسة حالات وإجراء تجارب وسيكتشفون أسرارا خفيت عنهم في عالم الحيوان وأقنعت إبنها بتطوير جهازه.
أما الأب وأحمد فإستطاعا لحسن الحظ إنقاذ أغلبية الخرفان بمساعدة البيطري والبعض منها ذبحت وبيعت للجزار في المدينة وعادا في المساء منهكين ولم يلوما سمير عن فعلته لما رأوه من ندم وحسرة وإختلاط الأمور عليه فأعتذر منهم جميعا وقرر عدم وضع ذلك الجهاز على أذنه إطلاقاً ، لأنه لا يصلح إلا للباحثين والمتخصصين. عندها هنأه أخوه أحمد قائلاً هذا ما كنت أود سماعه منذ البداية وشجعه على العمل أكثر في البحث والتطوير في مجالات تسهل حياة الإنسان وتحافظ على حياة الحيوان والنبات جميعاً.
تأليف رفاس فتيحة