قصـــــــــة الحلم الجميل

0

ببلدة صغيرة غاية في الروعة والجمال، وكأنها لوحة جميلة من الطبيعة قد تربعن وسط سهول خضراء تحاوطها من جميع الاتجاهات شجار الصنوبر بأهدابها الجميلة التي ترفرف في جميع الاتجاهات كلما مرت عليها رياح من الهواء العليل.

كانت هذه البلدة تخلو من الطرقات باستثناء طريق وحيد ترابي متعرج، وكانت هذه البلدة بفصل الربيع تتكاثر بها الأعشاب الخضراء وتزهر الورود الجميلة ويكسوها اللون الأخضر والألوان الجميلة المحفزة للنفس بالأمل؛ أما بفصل الشتاء فكانت هذه البلدة تنام تحت غطاء من الثلوج البيضاء، ويسودها الهدوء بشكل غريب.

كان الهدوء غالبا يسودها باستثناء أصوات العربات القليلة التي كانت تمر من الطريق الترابي والتي كانت تجرها الأحصنة بجهد وعناء كبيرين، وبتلك البلدة الصغيرة عاش طفل صغير مع والديه وجده كبير السن في سعادة وهناء كبيرين، ولكنهما لم يدومان طويلا حيث أن سارف الطفل بصحبة والديه للمدينة الصاخبة ليتلقى التعليم بمدارسها، ولم يذهب معهم الجد لرفضه مغادرة بلدته والذهاب للمدينة.

لم يطاوعه الجد قلبه ترك منزله الذي تداعبه الشمس بإشراقتها البريئة بكل الصباح، وتستقر به طوال اليوم وتسلم عليه أثناء غروبه واعدة إياه شروقها عليه بصباح اليوم التالي، ولم يطاوعه قلبه مغادرة السهل الفسيح الذي أمام منزله والذي يدفع النفس للرحة والاطمئنان، لم يستطع مغادرة أصدقائه العصافير الذين يبيتون كل ليلة على غصون أشجاره الكثيرة، ويملئون الصباح بزقزقتهم الجميلة العذبة.

كانت زيارة الجد بفصل الشتاء صعبة للغاية، وكان من آخر مرة قاموا فيها بزيارته كان يبدو عليه التعب والإجهاد، ورغم توسلاتهم إليه للذهاب معهم إلا إنه لم يوافقهم، لم يستطع ابنه البقاء معه ولاسيما انشغاله بأعمال البناء حيث كان يعمل ليل نهار ليوفر مصارف ابنه الدراسية، فلا يستطيع العودة للبلدة الصغيرة وأبيه فيعود بذلك لفقره المقتم وقلة حيلته من جديد.

تكررت العودة من جديد لشعور الابن وابنه بوعكة الجد الصحية، وعلى الرغم من أنه كان فصل الشتاء والطريق للبلدة الصغيرة صعب للغاية إلا أن الابن اصطحب ابنه وذهب لزيارة أبيه، وعندما وصلا كان اللقاء أكثر من رائع، وجدا عند الجد صديق بنفس عمره، وجدا الجد يدفئ نفسه بلحاف من الصوف، وقد أشعلا بعض الحطب ويمضيان وقتاً طيبا بالمسامرة سويا.

أخرج الجد الحلويات التي أحضرها ابنه وعلب الطعام المعلبة، وشرع الجميع في الأكل وكانوا جميعاً يأنسون بوجود بعضهم البعض، وعلى الرغم من شدة برودة الجو إلا أن المكان كان يملأه الدفء في جميع أرجائه.

كان ابنه قد أحضر له أيضا بعض الأدوية خصيصاً لفصل الشتاء وما يحمله من أمراض بسبب برودة الجو، كان الجد سعيدا للغاية بما فعله معه ابنه وحفيده، وكان يعطي صديقه من كل ما يأكله أو يشربه وكانا يشعران بسعدة غامرة.

عادا للمدينة، ومرت الأيام على هذا المنوال، يترددون على زيارة الجد حتى جاء اليوم الذي تخرج فيه الابن والتحق بوظيفة في الحال نظراً لتفوقه في دراسته؛ وبعد تخرجه والتحاقه بالوظيفة كان هم الابن الأول والأخير عودة أبيه ووالدته للعيش مع جده والاهتمام بكل شئونه.

وكان دوما هناك حلم بمحيلته، فقرر أن يعمل ويعمل بعد دوامه ليحقق حلمه الذي لا ينفك عن التفكير به، وها هو الآن يحقق حلمه بعد كثير من التعب والعناء، إنه في رحلة لزيارة جده ووالديه بالبلدة الصغيرة بسيارته الجديدة التي اشتراها للتو، ويحمل لهم بها الكثير من الأطعمة والحلوى والعصائر والأدوية أيضا.

وعلى الرغم من أن الطريق كان صعبا للغاية مليئا بالثلوج والوحل بكل مكان إلا أنه تمكن من الوصول قبل غروب الشمس، كان قلبه يرفرف فرحا لاشتياقه لأهله ولبلدته الصغيرة.

أصدر أول صوت ببوق سيارته، فانفتحت الشرفات والنوافذ لمعرفة من الزائر، واتضح أنه ابن البلدة الصغير الذي خرج منها ليتلقى تعليمه ويعلو شأنه، ما أجمل التعليم حقا.

وزع ما جلبه معه على أهله والعجوز صديق جده، وطلب منهم أن يكتبوا كل ما يحتاجون إليه ليجلبه بنهاية الأسبوع القادم، وبالصباح الباكر قبل رحيله مر على كل العجائز بالقرية وقام بكتابة طلباتهم أيضا، كان بنهاية كل أسبوع يأتي لقريته ولأهله يحمل مل لذ وطاب معه، تتهلل أساريره بلقائهم دوما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *