قصة خالد والمدرسة
وما إن تم “خالد” الستة أعوام أخبره والده فرحا مسرورا: “آه يا خالد لقد أتممت عامك السادس بحمد الله سبحانه وتعالى، وغدا بإذن الله سأتمم لك كل الإجراءات اللازمة لالتحاقك بالصف الأول الابتدائي”.
انزعج الابن كثيرا وشرع في البكاء قائلا: “لا أريد!… لا أريد الذهاب إلى المدرسة، لا أريد ترك ألعابي الجميلة، لا أريد ترك غرفتي، لا أريد…”.
صدم الأب من فعلة ابنه وعناده وإصراره على عدم الذهب للمدرسة، ولكنه كان أيضا أبا حكيما فلم يجبر ابنه على الذهاب غصبا، ولم يعنفه ولم يعاقبه حتى، بل تركه يفعل ما يحلو له، ومن ناحية أخرى لم يقصر تجاهه فذهب للمدرسة وقام بتقديم كافة الأوراق المطلوبة لتسجيل ابنه بها.
وما هي إلا أيام معدودات وجاء اليوم الأول بالمدرسة من شرفة غرفته كان يرى بكل يوم أصدقائه يرتدون أجمل الملابس ويحملون الحقائب ويذهبون صباح كل يوم لمكان ما، يعلم أنها المدرسة ولكنه لم يلقي لهم بالا، فكان يستيقظ من نومه يتناول إفطاره ويبدأ باللعب كعادته، ولكنه افتقد شيئا عظيما، أصدقائه فلم يأتوا مثل السابق ليلعبوا سويا، وعندما ينتظرهم لحين عودتهم من المدرسة يجدهم قادمين سويا وينشدون أجمل الأناشيد بأجمل الألحان.
أول ما يراهم يدعوهم للعب معهم ولكنهم يمتنعون دوما حيث أنهم يريدون أداء واجباتهم المدرسية واستذكار ومراجعة دروسهم، سئم “خالد” من حياته فأصبحت عليه فارغة، يرى أصدقائه يتعلمون شيئا حرم منه.
وفي المساء ينتظر والده ليعلمه نفس الأناشيد التي يرددونها أصدقائه حين ذهابهم وإيابهم من المدرسة، ولكن الأب الحكيم يخبره: “يا بني إنني لا أجيدها، فلا يجيدها إلا المعلمون بالمدرسة فيعلمونها لتلاميذهم”.
وأخيرا طلب خالد من والده أنه يريد الذهاب للمدرسة ويريد ملابسا جديدا وحذاءا لامعا مثل أصدقائه، ويريد حقيبة مثلهم أيضا، وعلى الفور أمسك بيده والده وذهب معه لشراء كل ما تمنى، كما قام بشراء الكثير من الأدوات المدرسية والتي اختارها خالد بنفسه، وقد كان كلاهما مسرورا وفرحا من قلبه.
في اليوم التالي أعدت والدته طعام الإفطار، ومن ثم قامت بوضع الطعام الخاص بصغيرها وقد جهزته بعناية فائقة وبطريقة تحببه في كل شيء؛ أخذه والده وذهب به للمدرسة والتي أول ما وقعت عين خالد عليها وجدها جميلة للغاية كثيرة الخضرة والورود والأزهار وذات فناء واسع يلعب به الأطفال.
واستكمل والده معه اليوم الدراسي الأول له من أجل أن يحببه في المدرسة التي كرهها قبل الذهاب إليها، صعد به لفصله والذي كان به معلما متفهما للغاية وسلسا مع تلاميذه، يعطيهم المعلومة بكل حب ومودة، احب “خالد” مدرسته وكان من المتفوقين فيها، دائما من أول الحاصلين على أعلى الدرجات بكل امتحاناتها.
كبر “خالد” وأخذ يتنقل من مرحلة لمرحلة أجدد ويحرز تفوقا بكل مرحلة، كان يدرس بطريقة حديثة ليس بها ملل أو كلل، بل كان دائما والداه يشجعنه على الدراسة والتفوق ووضع هدف أمامه، كان يتخطى كل الصعاب، وقد علماه القرآن وحفظه كاملا قبل أن يتمم مرحلته الإعدادية، كان دائما ما يربيانه تربية صحيحة سوية، دائما يفكران في أمره ولا يشغلهما عنه شيء.
كبر “خالد” والتحق بمرحلة الثانوية العامة، ومن بعدها حصد أعلى الدرجات لقاء تعبه وكده طوال الأعوام، التحق بكلية الطب وتخرج منها، وقد كان طبيبا طيب القلب يخفف آلام الناس، وكان كلما رأى والده شكره على عدم تقبله لأمره بعدم ذهابه للمدرسة وكرهه لها، وأنه لم ييأس من أمره وأصر جاهدا بطريقة عقلانية متفتحة حببته بالدراسة والتعليم، ومازال مشجعا له حتى وصوله لأرقى الدرجات من الرفعة في المجتمع، فقد أصبح “خالد” ذا مكانة اجتماعية مرموقة، ووالداه يفتخران به.