القناعة بعنوان الوصية والكنز

0

اهلا وسهلا بكم متابعي موقع قصص. لقد اضفنا اليوم قصة جديدة استمتعوا!

في بلدةٍ هادئة لا صَخب فيها ولا ضجيج، يعيش رجل حسَن الخُلُق، زكيُّ النَّفس، له من مكارِم الأخلاق والصفات الحميدة ما ترتاح له النَّفسُ، وتُسَرُّ له القلوب، محبوب عند كلِّ من يعرفه من أصدقائه وعائلته وجيرانه، لا يردُّ لأحد طلبًا، ولا يغلِق على محتاج بابًا، وكان يُدعى الحاج إبراهيم.

الحاج إبراهيم يعيش في منزلٍ متواضع، مع ابنه وزوجةِ ابنه وأحفاده الاثنين سمير وآدم، يعامل الكلَّ بطيبة وحِكمة، والكل يَحترمه ويعتبرون وجوده بينهم نِعمة من الله.

الحاج إبراهيم رغم كِبَر سنِّه فإنَّه لا يَعرف للكسل طريقًا؛ فهو يحبُّ أن يعمل ويكدَّ ويجدَّ ليحصل على قوته من عرَق جبينه، رغم يُسر حاله فقد تمكَّن من جمْع ثروته من خلال عملِه طَوالَ حياته بالتِّجارة، ممَّا جعله يكتَسب خبرةً في هذا المجال، ويُعلي من شأنه بين أقرانه من التجَّار.

كل يوم بعد صلاة الفجر يستعدُّ الحاج إبراهيم للذَّهاب للعمل، وينادي ابنَه سالمًا ليرافقَه، وذلك بعد أن يلحَّ عليه مرارًا وتكرارًا؛ فسالِم لم يكن يروقه النُّهوض باكرًا، فبالنسبة إليه هو ليس محتاجًا لأن يَنهض باكرًا ليعمل، ما دام والدُه لديه من المال ما يكفيه ليعيش حياةً مرفَّهة.

بعد إلحاحٍ قام سالم لمرافقة والدِه الحاج إبراهيم للعمل متذمرًا وغير راضٍ، انتبَه والده لتغيُّر مزاجه، فسأله:

• سالم ما بك يا ولدي؛ لستَ كعادتك؟ أيُزعجك شيء؟ هل أنت مريض؟

• سالم: لا يا أبي أنا بخير، لكن ما الدَّاعي للنُّهوض دائمًا باكرًا ونحن لدينا ما يَكفي من المال؟!

نظر الحاجُّ إبراهيم لابنه وهو يَبتسم وقال: أهذا ما يزعجك! ظننتُه أمرًا جللًا، اسمع يا بنيَّ، إنَّ العمل لا بدَّ منه، وهو سنَّة كونيَّة، وإن كنت تملك المال الآن فما أدراك أنَّك ستجده غدًا، فالعمَل يحميك ويقيك من تغيُّرات الزَّمن، ويجعلك عزيزَ النَّفس، ويبعد عنك ذلَّ الخَلق.

استمرَّ الحاج إبراهيم في كلامه وفي إقناع ابنه بفَضل العمَل، وأنَّ عليه أن يكدَّ ويجد حتى يَحصل على ما يريده، لكنَّ سالمًا لم يَقتنع بكلامه، وأصرَّ على موقفه.

رغم موقف سالم فإنَّه لم يتوقَّف عن مرافقة والده كلَّ يوم للعمل؛ فالحاج إبراهيم كَبِر في السنِّ ولا بدَّ له من مرافِقٍ ومُعين، وأيضًا ربما قد تكون مرافقته اليوميَّة سببًا في هدايته.

استمرَّ الأمر على هذا الحال أيامًا وأيامًا، وسالم رغم أنَّه يذهب مع والده للعمل إلَّا أنَّه لا يشاركه أسرار وخفايا التِّجارة، ويترك كلَّ العِبء على والده.

إلى أن جاء يوم.. أشرقَت الشمسُ، واستيقظ سالم، وأحسَّ بأنَّ أمرًا ما قد حدَث، فبدأ يحدِّث نفسه: أهو يوم عيد؟ لا ليس عيدًا، من المؤكد أنَّ أبي قرَّر أن يَتركني اليوم واقتنع بوجهَة نظري.

آه! كم هو جميل أن يمرَّ يوم بدون عمل! (سالم محدثًا نفسه).

لكن سرعان ما أحسَّ سالم بتأنيب ضميره، فكيف سيَترك والدَه وحده بالعمل، ربما تعِبَ أو احتاج منِّي مساعدةً، لا يجب أن أبقى، عليَّ اللحاق بأبي، بينما هو على هذه الحال يحدِّث نفسَه، رفع رأسَه، وإذا بزوجته دليلة واقفة أمامه شاحِبة الوجْه كأنَّها رأَت ميتًا خارجَ قبره، ولسانها مَعقود عن الكلام.

ذهل سالم لحال زوجته، ولم يفكِّر في شيءٍ في تلك اللَّحظة إلا في والده، فاتَّجه مسرعًا نحو حجرة والده وهو ينادي: أبي أبي.. أين أنتَ أبي؟

هذه المرَّة لم يجِب الحاجُّ إبراهيم نداءَ ابنه سالم، ولن يناديَه كلَّ صباح ليرافِقه للعمل؛ مات الحاجُّ إبراهيم وترَك خلفه السيرةَ الطيِّبة والخُلق الحسن الدائم.

لم يصدِّق سالم أنَّه فقد والدَه الذي أحبَّه كثيرًا، فحزن حزنًا شديدًا، وقرَّر أن يَمكث فترةً في حجرة والده ليَسترجع ذكرياته معه، وبينما هو كذلك تذكَّر صندوق والدِه الموجود بالغرفة، الذي كان يخزن فيه والده الذَّهبَ والمال.

ذهب مسرعًا، ونادى زوجتَه لتساعده على إخراجه وفتْحه، لم يكن لزوجته إلَّا أن تَقبل وهي جد متلهفة لمعرفة ما في الصندوق.

اتَّجه سالم وزوجتُه إلى الحجرة، فأخرجا الصندوق وفتحاه، فكانت المفاجأة! مال وجواهر وذهب وكلُّ ما تَشتهيه النَّفس من ملذَّات الدنيا.

لكن، في داخل الصُّندوق كانت هديَّة صغيرة بسيطة؛ عبارة عن ورَقة؛ ما هي إلَّا رسالة من والده، لم يُعِرها بالًا وألقاها جانبًا.

فرحَت الأسرة بما وجداه وقرَّرا أن يَستمتعا به.

مرَّت أيام وشهور، وسالم يَصرف المالَ في ما لَذَّ وطاب بدون رقيب وحَسيب، نسي عملَ أبيه بالتِّجارة، واتَّكل فقط على ما تركه له من مالٍ وثروة، حتى اعتاد على الكسَل والاتِّكال.

بقي سالم على هذا الحال مدَّة من الزمن، حتى صار مفلسًا وكثرَت عليه الديون، فضاق عليه الحالُ وضاقَت عليه السُّبل.

ذهب ليتفقَّد الصندوقَ فلم يجد فيه إلَّا رسالةَ أبيه التي أهملها، وقد كتب فيها بأنَّ الإنسان لا يحصد إلا ما يزرعه.

كانت كلمات قليلة، لكنَّها تَحمل في طيَّاتها معانيَ كبيرة، لم يفهمْها سالم إلَّا بعد فوات الأوان.

في لحظة تحسُّر وندَم، جاء مَن يبعث الأملَ من جديد في نفس سالم.

هذا الأمل ما كان إلَّا صديق والدِه القديم الذي جاء لزيارته بعد غيابٍ طويل، بعد أن سافر من أجل العمل والتِّجارة؛ وذلك بفضل الله ثم بفضل والده الذي ساعدَه وأقرضه بعضَ المال يعينه على تجاوز ضنْك الحياة، وبعد أن ازدهرَت تجارته ونما مالُه، قرَّر أن يعود ويشارِكَ صديقَه نجاحه ويردَّ له معروفه.

عانق سالم الضيفَ واستبشَر بقدومه خيرًا، ووعده بأن يكون الولدَ المجدَّ الذي أراده والدُه أن يكون، وأن يبدأ حياةً جديدة شعارها الجد والعمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *