قصـة بائعة الثقاب
يحكى أنه في يوم من الأيام كانت هناك فتاة في غاية الجمال والحسن، ذات ضفائر طويلة ذهبية اللون، وفي ليلة رأس السنة أجبرت الفتاة على الخروج لبيع الثقاب، وفي هذه اللية كانت الثلوج تتساقط وتغطي المكان بأسره، ولا يوجد بشر يتحمل شدة البرودة، ولكن بالرغم من كل ذلك حاولت الفتاة الصمود في هذه البرودة والثلوج تتساقط فوق رأسها، وقد كانت فاقدة لحذائها، وبالتالي لا يوجد شيء يغطي رأسها ولا شيء يحمي أقدامها.
كانت الفتاة جائعة للغاية، كما كان يرتجف جسدها بالكامل، وبالرغم من كل ما كانت تشعر به هذه الصغيرة إلا أنها كانت في أشد الخوف من أن تعود للمنزل خوفا من والدها الذي أمرها بألا تعود مطلقا حتى تبيع كامل الثقاب التي بحوزتها، تباطأت خطواتها في الجليد، ولم تعد تستطيع ولا تحتمل خطوة واحدة بعد، فآوت نفسها تحت حائط وشرعت في إشعال الثقاب لتدفئة نفسها من شدة البرد، وكلما أشعلت عودا تذكرت في نفسها ماذا فاعل بها والدها، ولكن البرودة كانت تشتد عليها، وكلما أشعلت عودا شعرت بالدفء وكلما انطفأ العود تذهب معه كل آمالها؛ حلمت الفتاة بمائدة طعام مليئة بأشهى وألذ المأكولات، حلمت باحتضان العائلة والدفء والحنان، ولكن كل ذلك كان يذهب مع أول ريح تطفئ عود الثقاب.
استمرت الفتاة على هذه الحالة، كانت ترتعب من شدة الظلام ومن شدة البرودة التي تملأ الجو من حولها، في إحدى المرات عندما أشعلت عود الثقاب تذكرت جدتها المتوفية الجانب الوحيد الذي كانت تجد به الحنان والاهتمام والرعاية، وما إن اقتربت الفتاة لتمسك بيد جدتها حتى انطفأ من جديد العود وذهبت معه جدتها، ولكن الفتاة كانت مصرة على لقاء جدتها والارتماء بحضنها لتشعر بقليل من الأمان والذي قد افتقدته في عيون كل البشر الموجودين من حولها، فقامت على الفور الفتاة بإشعال عود ثقاب آخر لتجد جدتها ماثلة أمامها بعينين تملأها الدموع.
كانت الفتاة في منتهى السعادة لرؤيتها لجدتها الحنون، جرت الفتاة بكل قوتها لترتمي بأحضان جدتها وتتوسل إليها أن تأخذها معها للعالم الذي رحلت إليه، وأسرعت في طلبها خوفا من انطفاء عود الثقاب واختفاء جدتها معه، فطمأنتها جدتها واحتضنتها فذهب جوع وعطش الفتاة والارتجاف التي كانت تشعر به من شدة البرد، حيث أن جدتها أخذتها معها للسماء لتعيش الفتاة في سعادة أبدية مودعة قسوة كل العالم وظلمه؛ وفي الصباح الباكر التف الناس حول جثتها وقد كانت متجمدة من الثلج، وكانت أعواد الثقاب تعج المكان من حولها دلالة على استعمالها لها كاملة لتدفئة حالها من شدة الصقيع، ولكن كل الثقاب التي كانت معها بكثرة أعدادها لم تمنع عنها شدة البرد وهطول الثلج.
لقد عانت الفتاة المسكينة طوال الليل ولم تجد قلبا رحيما يأخذ بيدها ويدخلها منزله، ويؤمن لها الحماية من الثلج الذ داوم طيلة الليل يتساقط على جسدها الهزيل، لقد كانت مثل الملاك ولكن ظلم والدها وصمت والدتها كان سببا في فقدانها لحياتها الثمينة، رحلت الفتاة الصغيرة عن العالم وصعدت روحها البريئة للسماء معلنة عن انتهاء كل معاناتها، حزن الجميع على موت الفتاة الصغيرة الجميلة وبالمسئولية تجاهها، ولكن كيف للندم والحزن أن يفيد صاحبه بعد فوات الأوان.