قصة الكنز الحقيقي
اجتمع الشيخ عبد الحليم عمران بأولاده الثلاثة سالم وسعد وسلمى ثم قال لهم : لقد جمعتكم اليوم يا أولادي لأعطيكم كل ما أملك وهو ثلاثة اشياء فاختاروا بينها .. أولاً : حقيبة كبيرة فيها كل ما جمعته من أموال وذهب، وثانياً : سفينة جديدة فيها كل وسائل الراحة ومجهزة بأحدث أجهزة الصيد ، وثالثاً وأخيراً : قطعة ارض كبيرة بعيداً عن البلد الذي نعيش فيه، وهذه الارض فيها كنز كبير يحتاج الي من يبحث عنه .
كان سالم الابن الأكبر هو أول من تكلم فقال : يا ابي اني احب الصيد والترحال، فمن فضلك أعطني السفينة اعمل عليها واسافر واري بلاد الله الواسعة، فوافق الشيخ عمران واعطاه السفينة، ومن بعده قال سعيد : انا اريد الحقيبة يا ابي، فأنا احب التجارة والبيع والشراء وسأبدأ بهذه الاموال مشروعاً تجارياً كبيراً، فوافق ابوه واعطاه الحقيبة .. ” لم يتبق غير الأرض ” ، قالتها سلمى وهي حزينة وآسفة، قال لها الشيخ عمران : ولماذا انت حزينة يا سلمى ؟ انها ارض كبيرة تعيشين عليها انت واولادك واولاد اولادك من بعدك، وان شاء الله لن تندمي .
قالت سلمي : ولكنها مهمة صعبة وشاقة يا ابي، فهي ارض كبيرة وبعيدة وتحتاج عملاً كثيراً، نظر اليها نظرة حب وعطف ثم اعطاها كيساً به حبوب قمح وقال : خذي هذه الحبوب وانثريها في الارض، فسوف تجلب لك الخير يا سلمي، ذهبت سلمى الي الارض وهي غاضبة، اخذت معها حمارتها الصغيرة والماعزة ، وبنت سلمى بيتاً صغيراً في الارض يحميها من حررة الصيف وبرد الشتاء .. كانت الارض غير مستوية وغير ممهدة، فكانت تحفر فيها لتبحث عن الكنز كل يوم من الفجر حتي غروب الشمس، وكانت كلما انتهت من قطعة صغيرة بدأت في قطعة اخري، وفي يوم جاءت ريح شديدة بعثرت كل شئ في الارض والمنزل .
عادت سلمى الي ابيها وقالت له وهي تبكي : جاءت ريح شديدة يا ابي وبعثرت كل شئ وردمت الحفر التي حفرتها، لقد ضاع مجهودي، ربت ابوها عليها وقال لها بحنان : عودي الي ارضك واحفري مرة اخري يا ابنتي الحبيبة، ستجدين الكنز باذن الله .. عادت سلمي مرة اخري الي ارضها ورتبت كل شئ وبحثت عن كيس الحبوب فلم تجده ولكنها بدأت في الحفر مرة اخري من الفجر حتي غروب الشمس، وظلت تحفرو تحفر حتي حدثت مفاجأة اخري ازعجتها واحزنتها، لقد اندفعت من باطن الارض مياة غزيرة وغمرت وملأت كل الارض .
عادت الي ابيها مرة اخري وهي تبكي ثم قالت له في صوت غاضب : أرأيت يا ابي ؟ ضاع الكنز وانتهي، فقد اندفعت المياة من باطن الارض واغرقتها، لن استطيع البحث والحفر في الارض بعد الآن ، لقد تعبت، ضحك الاب وقال وهو يهلل : ما شاء الله، انها بئر ماء يا سلمي، عودي فوراً وابني سوراً حول البئر واصبري حتي تجف المياة لقد اصبح الكنز قريباً جداً جداً .. عادت سلمى الي ارضها فوجدت طيوراً تطير وتغرد حول المياة وبدأ بعض الجيران يأتون إليها ليأخذوا مياة من عندها، شعرت سلمي ببعض الرضا فلم تعد بمفردها هي وحمارتها وماعزتها، بل اصبح هناك من يسليها في وحدتها .
انتظرت سلمي حتي جفت المياة ولكنها وجدت مفاجأة اخري تنتظرها، جرت مرة اخري الي ابيها وقالت : لقد انتشرت في الارض نباتات صغيرة، ولن استطيع ان اخلعها بمفردي يا ابي حتي ابحث عن الكنز، ضاع الكنز وضاع مجهودي .. فرح ابوها وقال لها : انها بذور القمح يا سلمي، انتظري حتي يبكر الزرق وينضج القمح، لقد اصبح الكنز قريباً جداً جداً، عادت سلمي وحمايتها وماعزتها وصبرت حتي اصبحت البناتات الصغيرة سنابل قمح صفراء ذهبية جميلة، جمعت سلمى سنابل القمح وظلت تنقلها علي حمارتها الصغيرة وتضعها امام منزل ابيها حتي اصبحت كومة كبيرة جداً، ثم قالت لأبيها : ها هي سنابل القمح يا ابي احضرتها لك، وسوف اعود وأبداً في البحث من جديد عن الكنز .
قال لها ابوها في سعادة : بل ضعي السنابل في الجرن وادرسيها حتي تجمعي القمح في أحوله ثم اذهبي الي المطحنة ليصبح دقيقاً، تذمرت سلمي ثم ردت عليه : لماذا كل هذا يا ابي ؟ انني لن اجد وقتاً بعد ذلك لأبحث عن الكنز، درجت سلمي القمح ووضعته في احوله ثم ذهبت به الي المطحنه لصنع الدقيق، اندهش كل من شاهد محصول سلمى، انه وفير وكثير وسأل صاب المطحنه سلمي : ماذا ستفعلين بهذا المحصول ؟ قالت : سأصنع خبزاً لي ولأبي ولإخوتي وجيراني، ولكنه محصول وفير وسيتبقي منه الكثير .
قالت امرأة كانت تعمل في المطحنه : انك فتاة ماهرة ومجتهدة، لقد زرعت اكبر محصول هذا العام، يجب ان تبيعي هذا الدقيق وسوف تحصلي علي مال وفير، عادت سلمى الي ابيها سعيدة وقصت له ما حدث معها ، أجابها والدها في سعادة : هل عرفتي الآن ما الكنز يا سلمي ؟ اجابت : نعم يا ابي ، انها الارض والماء والشمس، والزرع الذي نأكلة .. ان هذه الاشياء كنوز يجب ان نحافظ عليها، اضاف ااب : والانسان هو اكبر كنز يا سلمي، فأنت كنز اعطاه الله لي، بعملك ونشاطك واخلاصك نجحت في ايجاد الكنز الحقيقي .