قصة الطفل المتسلل
ذاتَ يومٍ كنتُ عائدًا من المدرسة أفكّر في درس الكيمياء الذي قد أعطانا إيّاه الأستاذ رشدي، قال إنّ هذه التجربة لو قُدِّرَ لها أن تنجح لقلبَت موازين العالَم، ولجَعَلَت أبناء هذا العصر يصلون إلى ما لم يصل إليه كائنٌ قبلهم، كان قد مزجَ سائِلَين معًا، كلّ واحدٍ منهما فيه مجموعة من العناصر الطبيعية والمعدنية، ولكنّها يفتقدان لعنصر أخير يُعطي هذا المزيج قدرةً فائقة تجعله قادرًا على تحويل الإنسان الذي يشربه إلى رجلٍ خارقٍ مثل “فلاش” و”سوبر مان” و”الرجل العنكبوت”. عندما اطمأننتُ على أنّ المدرسة أصبحت خاوية من التلاميذ والمدير والمعلّمين تسلّلتُ إليها بمفردي ودخلتُ إلى المُختبر ووجدتُ زجاجتَي المحلول في مكانهما بعد أن تركهما الأستاذ وغادر مع طلبة الشعبة الثانية، فجلستُ أنظرُ إليهما، وأفكّر في ذلك العنصر المفقود لتكتمل التجربة، فتنبّهتُ لأمرٍ كنتُ قد رأيتُهُ في التلفاز، فجئتُ بأحد العناصر وأضفتُهُ إلى المزيج، ثمّ خلطتُ العناصرَ كاملةً معًا، فلم أصدّق ما أرى، لقد تحوّل المحلول إلى اللون الذهبي، وهو اللون الذي قد نبّهنا المعلّم إلى أنّه اللون الذي سيتحوّل إليه المزيج عندما يصبح جاهزًا. لم أصدّق أنّني قد وصلتُ إلى الحل الذي قد عجز الأستاذ عنه، والآن قد جاءت اللحظة الحقيقية، وشربتُ المزيجَ، ولكن.. لم يحدث شيء! انتظرتُ قليلًا فلم يحدث شيء أيضًا، فغضبتُ وهممتُ بالخروج من المخبر ولكنّني أحسستُ بطاقة هائلة تسري في بدني، أمسكتُ قبضة الباب الحديديّة ولويتُها وكأنّها قطعة خبزٍ طريّة! شعرتُ أنّني قويّ كفاية لأصرعَ عشرة فيَلة دفعة واحدة، ركضتُ إلى الباحة الخلفيّة للمدرسة فوجدتُ أنّ سرعتي قد صارَت تسبق سرعة الضوء، وقفتُ في الساحة وتنفّست بعمق فانتبهتُ إلى أنّني أرتفع عن الأرض شيئًا فشيئًا. يا إلهي! إنّني أطير، ولكن ما الذي يجري؟ وهل لذلك المحلول كلّ هذه الطاقة؟ وهل ستزول الطاقة مني بعد مدّة أو أنّها ستبقى؟ كثيرةٌ هي الأسئلة التي قد دارت في ذهني، ولكنّني لم أكن أعيرها أهميّة؛ فقد أردتُ أن أعيش تلك اللحظات بشغف كبير، ضربتُ الأرضَ بقدمي فإذا بي أطيرُ فوقَ المدينة، أراقب الناس من بعيد وهم يروحون ويجيئون، رأيتُ حارتي وكيف كان الأولاد يلعبون كرة القدم بعد المدرسة، رأيتُ أخي الصغير كذلك وهو يدخل إلى الدكّان ليشتري، شاهدتُ سيارة للشرطة يقودها شرطي، واحد فدار ببالي أنّني يجب أن أساعده كما كان يفعل “سوبر مان” عندما تحتاج إليه الشرطة. تابعتُ التحليق وشاهدتُ المدينة من الأعلى، والرؤية من أعلى لها نكهة جميلة لا يعلمها سوى من ركبَ ذات يومٍ في الطائرة، فكلّ شيء يبدو صغيرًا وجميلًا ومتناسقًا، ولكن مهلًا أرى أبي يسأل الأولاد عنّي، يبدو أنّه انتبه إلى عدم عودتي من المدرسة؛ فقد كانت عادتي أن أضع حقيبتي وأغيّر ثيابي ثمّ أخرج للّعب معهم، ماذا أفعل؟ هل أهبط أمامه فجأة وأخبره أنّ ابنه قد صار بطلًا خارقًا وكذلك صار عالِم كيمياء؟ لا، لن أخبر أحدًا، ولكن أين سأهبط؟ حاولتُ الهبوط في الشارع الثاني ولكنّ المشكلة أنّني لا أعلم كيف أهبط، ولا أعلم كيف أخفّف من سرعتي وأنا في الجو، حاولتُ أن أخفّف من سرعتي وأن أهبط بهدوء ولكنّني ارتطمتُ بالأرض بقوّة وصرت اتدحرج على الأرض، بعدها لم أشعر بشيء سوى صوت أمّي وهي توقظني لأذهبَ إلى المدرسة، فتحتُ عينَيّ فإذا بالأغطية التي كنتُ اتدثّر بها قد ملأت الغرفة، فاكتشفتُ أنّني كنتُ أحلُم، وأنّه ما من تجربة من الأساس، وحتى أستاذ الكيمياء في المدرسة اسمه الأستاذ صالح وليس رشدي. قصصتُ على أمّي ما كنتُ أشاهده في منامي وعن مغامرتي بعد أن وبّختني لمنظر الغرفة التي تتناثر فيها الأغطية في كلّ مكان، فضحكت بشدّة وقهقهَت وهي تتذكّرُ ما قلتُ لها وقالت لي: احمد الله على أنّه كان حلمًا؛ لأنّ المحاليل الكيميائيّة سامّة ومؤذية ولا ينبغي الاقتراب منها، ولكن إن شئتَ أن تكونَ عالِمًا في الكيمياء تكتشف للبشر أشياء لم تكن تخطر في بالهم فهذا الأمر أحبّ إليّ من أن تكون بطلًا خارقًا يطيرُ في الهواء ويملأ الغرفة بالأغطية، ثمّ صارَت تضحك مرّةً أخرى.