قصــــة حكمة بالغة من جدي
كان هناك طفلان صغيران، الطفلة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما، وأخوها يبلغ من العمر ثماني سنوات، وكل يوم كانا يعودان من المدرسة عابسي الوجه بسبب المضايقات والتنمر الذي يواجهان بها يوميا.
كانا الطفلان لا يجرؤان على الحديث عن هذا الأمر لوالديهما، ولكنهما دوما كانا يخبران جدهما عن إرادتهما ورغبتهما في ترك المدرسة نهائيا؛ والجد بكل يوم كان يستمع إليهما وينصت جيدا، ولكنه كان قلق حيال أمر كرههما الشديد للمدرسة والدراسة.
حوار:
وبيوم من الأيام بمجرد عودتهما من المدرسة شرعا الطفلان في التذمر كالعادة، ولكن هذه المرة كان تزيد عن سابقاتها بمرات عديدة وعديدة…
الطفلة: “جدي لن أذهب للمدرسة مجددا، لقد كرهت كل شيء بسبب المضايقات التي نتعرض لها يوميا، وما الفائدة من ذلك من الأساس؟!”
أكمل أخوها قائلا: “جدي لم أعد أحتمل كل ما ألقاه بهذه المدرسة الكريهة، إنني لن أجدي أي نفع منها، فعلى الأقل يلزمني أن أستريح من الذهاب إليها ومواجهة كل ما أكره”.
الجد: “أتتركان المدرسة وتتركا معها أصدقائكما؟!”
الطفلان بصوت واحد: “ليس لنا بها أي أصدقاء”!
الجد: “ألا تستمتعان بواجباتكما الدراسية، وتفوقكما في كيفية حلها؟!”
الطفلان: “لا يهمنا أي شيء باستثناء الخلاص منها كليا”، وقد ألقى كل منهما حقيبته من على كتفه أرضا احتجاجا على الذهاب للمدرسة مرة أخرى.
والجد يستمع إليهما بإنصات كالعادة، ولكنه قرر في هذه المرة إعطائهما حكمة بالغة، ستجعلهما لن يتذمرا مجددا، ويواجهان كل تحديات الحياة مهما كانت بصدر رحب؛ طلب الجد من حفيديه الذهاب معه للمطبخ، وأحضر ثلاثة أشياء.. حبة بيض، وجزرة، وحفنة من حبوب القهوة!
وأحضر ثلاثة من أوعية الطهي متوسطة الحجم، وضع بها ماءً وتركه على نار الموقد حتى الغليان، ومن ثم وضع بداخلها البيضة والجزرة وحبوب القهوة الصحيحة؛ والطفلان يرقبان بحرص ما يفعله الجد الذي وعدهما بحل مشكلتهما المعضلة مع المدرسة والدراسة.
مضى من الوقت عشرين دقيقة على هذا الوضع، وبعدها أطفأ الجد النار، وقام بإخراج البيضة والجزرة والقهوة، سأل الطفلين عما يرياه أمام عينيهما، ولكنهما لم يحسنا الإجابة والتي كانت مجرد بيضة وجزرة وقهوة ساخنة!
ولكن الجد طلب منهما إمعان النظر حتى يجدا ما يقصده تحديدا، فقالت الطفلة: “جدي لقد طرأت عليهم تغيرات”!
فقال الجد: “الثلاثة اشتركوا في شيء واحد ألا وهو الماء المغلي، فالبيضة أصبحت صلبة على عكس الجزرة التي أصبحت طرية للغاية، أما عن القهوة فقد استغلت الظرف الطارئ لمصلحتها فأصبحت قهوة سائلة شهية المذاق”.
لم يفهم الطفلان ما قصده الجد، لذا كان عليه أن يفهمهما أكثر من ذلك، فقال: “يا صغيري إن البيضة والجزرة وحبات القهوة اشتركوا جميعا في ظروف صعبة واحدة، ألا وهي التعرض للماء المغلي، فالبيضة صارت مسلوقة وأصبحت أشد قساوة بخلاف الجزرة التي أصابها الوهن والضعف، أما حبات القهوة فاستطعن تحويل الظرف القاسي لمصلحتهن، هل فهمتا الدرس والحكمة البالغة؟!”
فقال الطفلان: “نعم يا جدي، لقد فهمنا الحكمة البالغة”، وقضيا اليوم بأكمله في عملهما المنزلي، ومن ثم درسا بجد واجتهاد على غير العادة، وكل منهما قرر أن يكون حبة البيض التي تحملت الظروف القاسية وخرجت منها أقوى من الأول.
وبالمدرسة اليوم التالي، تعرضت الطفلة للتنمر نفسه المتكرر يوميا، لم تخشى صاحبه بل وقفت أمامه وصدته عن أفعاله المشينة، ونفس ما فعلته فعله أخوها بمدرسته تصدى للطفل الذي كان دوما يتنمر عليه، وجميع الطلاب كانوا بصفه وعندما أدرك الطفل المتنمر الوضع اعتذر للطفل حتى لا يجد نفسه في مواجهة جميع الطلاب، ولن يستطيع عليهم بكل تأكيد.
أحبا المدرسة واجتهدا جيدا بها، وبكل موقف بالحياة يتذكرا حكمة الجد، ويصرا على أن يكونا حبة البيض على أقل الاحتمالات، ‘ن لم يستطيعا أن يكونا مثل حبات القهوة التي استغلت الموقف لصالحها.