قصة الثعبان الأبيض وسره الخفي ج1
للقصص الكثير من المتعة والتشويق لدى الجميع ولاسيما قبل النوم، وعند قراءة قصص تحتوي على الخيال نوسع مداركنا الحسية وقدرتنا على تصور ما لا يوجد بالحياة، بل وتساعدنا أيضا على امتداد أبصارنا لأحلام وطموحات مليئة باستحواذنا على الفوز والانتصار.
روي أنه في قديم الزمان كان هناك ملكا عظيما يحكم إحدى الممالك العظمى، وقد عرف ذلك الملك بامتلاكه لقوى خارقة تفوق الخيال، لقد كانت قواه سرا لا يعلم بأمره إلا هو، لقد كان يجيد لغة جميع الطير وجميع الحيوانات لذلك كان دائم المعرفة بكل ما يحيط به من معلومات كبيرة وصغيرة، كان على اطلاع دائم بمخططات أعدائه وبما يدور بكل بلاده والبلاد المجاورة والبعيدة أيضا عن بلاده.
وقواه الخارقة كانت تجعل الجميع يحسب له ألف حساب ويخاف من ردة فعله عند غضبه لذلك كان الجميع يتساءل عن مدى قوته الخارقة ومن أين يستمدها؛ وكان ببلاده هناك فتى من أسرة معدمة وفقيرة للغاية، كان أكبر إخوته وكان والده دوما يجبره على العمل ليعيل إخوته ووالدته، ولكن الابن كان عاشقا لتعلم القراءة والكتابة وكل العلوم غير أنه كان يبقي ذلك الأمر بينه وبين نفسه رغبة في ألا يعرف بأمره والده الذي حذره دوما من ذلك.
كان الابن دائما ينحاز وراء رغبته والتي لا تنتهي مطلقا في التعلم وعندما يعود يوما دون أموال ينهال عليه والده بالضرب، كان والده يعتقد أن الأموال هي كفيلة لحل جميع مشكلات الحياة وأن العلم إنما هو مضيعة للوقت ليس إلا على خلاف ابنه الذي كان يوقن أن العلم مفتاح الحياة والعيش بسعادة بها.
وفي صباح باكر للإحدى الأيام دخل والده عليه فجأة فوجده منهمكا في دراسة ما تعلمه من معلم، كان يكتب في ورقة فأمسكه والده وأشبعه ضربا، بل وطرده من المنزل وتوعده إن عاد إليهم يوما؛ لم يجد الابن مفرا إلا ترك البلدة الصغيرة التي يعيشون بها ويتوجه نحو المدينة العامرة أملا في أن يجد مبتغاه هناك.
وبالفعل شد رحاله للمدينة وهناك ذهل من روعة المناظر الخلابة التي وجدها من مباني شاهقة وحدائق مليئة بالورود والأزهار وطرق نظيفة، وحياة مرتبة أكثر من اللازم.
وبينما كان الفتى يتجول في أنحاء المدينة ويلقي نظرة هنا وهناك على حياة لم يعهد مثلها من قبل، مر ملك البلاد وحاشيته من أمامه، لقد كان الفتى مولعا وشغوفا لأبعد الحدود بفضوله الشديد وحب الاستطلاع على كل ما هو جديد، لذلك تبع موكب الملك حتى اقترب من إحدى عرباته والتحق بها، لم يصدر أي صوت حتى وصل الموكب لقصر الملك.
وبعدما أحس الفتى برحيل الجميع نزل من العربة وبحث عن مكان أكثر أمانا ليختبئ به، وبالفعل وكلها لحظات قلائل حتى فتح باب القصر فذهل الفتى من جمال المنظر وقد أسر قلبه من شدة روعة ما رأى، وبعدها دخل كثير من التجار والفنانون للقصر، لقد كان منهم من يبيع أقمشة الحرير وأفخم أنواع الأقمشة، ومنهم من يبيع المجوهرات والحلي، ومنهم من يقوم بالرسم وكثيرون غيرهم، كانوا كل هؤلاء التجار يذهبون أولا للقصر الملكي يعرضون تجارتهم ويبيعونها قبل الذهاب بها للسوق.
وعندما قام جميعهم بعرض بضائعهم وقف الملك بشرفة قصره وشرع في النظر، وفجأة أُناء انهماكه بالنظر للسلع سقط مفتاح ذهبي مرسوم عليه ثعبان أبيض، لم يراه أحد ممن كانوا هناك ولم يلاحظه إلا الفتى حيث أنه كان يختبئ وراء الحائط أسفل الشرفة، ألتقطه الفتى وبعد انصراف التجار جميعا هم الملك بالانصراف، ولكن الفتى بكل جرأة ينادي على الملك قائلا: ” أيها الملك انتظر قليلا”!
التفت الملك خلفه وإذا به يرى فتى يقف وسط ساحة حديقة قصره، وبغضب شديد: “من أنت؟!، ومن سمح لك بدخول قصري الذي لا يليق بأمثالك؟!”
وعلى الفور أمر الحراس بالقبض عليه ومحاكمته، دب الرعب بقلب الفتى وبسرعة فائقة: “يا مولاي إن لا أحمل لك إلا كل خير، وليس بنيتي شيء إلا، كل ما هنالك أنه سقط منك شيء يخصك عندما انهمكت بمشاهدة عروض التجار، وقد وجدته واحتفظت به لأعطيك إياه فور انتهائك من المشاهدة”.
أمر الملك الحراس بأن يجلبوه لداخل القصر ليمثل أمامه…
يتبـــــــــــــــــــــع