قصة الحمامة المطوقة
يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك غراب يعيش في وكره بعيدا عن كل الأخطار، لقد مرت عليه العديد من الأيام والتي كان ينعم فيها بسلام وهدوء وأمان، حتى ظن الغراب ألا مكان أأمن من وكره إليه.
وبيوم من الأيام جاء صياد ينصب شباكه، وما إن رآه الغراب حتى قال في نفسه: “يا إله من جاء بالصياد إلى هنا، وأنا الذي كنت أظن أن وكري بات مكانا آمنا؛ ولكن مهلا ما الذي يفعله هذا الصياد؟!، لابد أنه جاء في مهمة محددة ولم يأتي لأجلي”.
لقد كان الصياد حينها ينثر حبوب القمح فوق الشبكة التي قام بنصبها، وما إن انتهى من نثر الحبوب حتى اختبأ في مكان قريب منها.
قال الغراب في نفسه: “يا له من صياد ماكر؟!”
ولم يمر كثير من الوقت حتى جاءت حمامة تسمى بالحمامة المطوقة حيث كان علامة تشبه الطوق حول رقبتها، كانت قائدة على سرب طويل من الحمامات غيرها، كن بكل يوم يذهبن بحثا عن الطعام، وبهذا اليوم لم يعانين من الشقاء طويلا كعادة بقية الأيام حيث وجدن الحب على الأرض وسط الغابة بكل سهولة.
وما إن هبطن وشرعن في تناول الحبات حتى وجدن أنفسهن قد وقعن في نصب الشبكة وفخ الصياد، فرح الصياد كثيرا بالعدد الهائل من الحمامات الذي قام باصطياده دون جهد ولا نصب.
هرعن الحمامات للطير بعيدا من الفخ، وهرع الصياد للإمساك بهن جميعا، وما إن رأته الحمامات حتى ازددن هلعا وحاولن بأقصى مجهود لهن الإفلات من قبضته.
صرخت الحمامة المطوقة: “طرن في اتجاه واحد حتى نتمكن جميعا بالارتفاع بالشبكة والإفلات من قبضة الصياد”.
وبالفعل تمكن من الطير جميعا في اتجاه واحد وكأنهن جميعا طائر واحد ولكنه كبير، ذهل الصياد من المنظر الذي وقع أمام عينيه، واختفت الابتسامة من على وجهه.
ولكن الصياد لم يستسلم ولم ييأس فركض خلفهن وأراد أن يظفر بأي واحدة منهن بدلا من أن يؤول كل تعبه هباء منثورا.
قال الغراب في نفسه: “مسكين أنت أيها الصياد، لقد اختفت فرحتك قبل بدئها”.
كان الغراب متحمسا لدرجة كبيرة ليعرف ماذا سيحل بالحمامات، هل سيعجزن عن تحمل الطير والشبكة الثقيلة متعلقة بهن، فيهبطن على الأرض دون أن يعلمن أن الصياد يركض خلفهم للنيل منهن؟!؛ لذلك أصر على اللحاق بالحمامات والصياد ومعرفة مصيرهم جميعا ونهاية القصة التي رآها مشوقة للغاية.
أدركت الحمامة المطوقة مطاردة الصياد لهن، لذلك أمرت بقية الحمامات بالطير في اتجاه بعيد عن الغابة مليء بالبيوت، حددت اتجاهها ووجهتها، ودلت أخواتها الحمامات أن يهبطن بمكان به جرذ صديق قديم لها.
كان قد اختفين عن أعين الصياد باتباعها خطة الطيران بعيدا عن الغابة المكشوفة وذهابهن تجاه البيوت البعيدة، وعندما وصلت لوجهتها منزل الجرذ الصغير، أمرتهن بالهبوط.
نادت الحمامة المطوقة على صديقها الجرذ، والذي خرج ليتبين الأمر، وجدها صديقته الحمامة المطوقة.
سألها: “ما الذي حل بكِ يا صديقتي؟!”
فسردت له الحمامة المطوقة القصة كاملة، وطلبت منه مساعدته، فهم الجرذ بقرض الشبكة من حول جسدها ليخلصها، ولكنها أبت وامتنعت قائلة: “أتوسل إليك أن تخلص أخواتي الحمامات قبلي”.
الجرذ: “ألا تريدين الخلاص مثلهن؟!”
ومازال الجرذ يقرض الشبكة المتعلقة بها، فتوسلت إليه مجددا..
الحمامة المطوقة: “أرجوك يا صديقي أتوسل إليك أن تخلص أخواتي الحمامات أولا، ومن بعدها تخلصني”.
الجرذ وقد انتبه لحديثها: “ولكن أخبريني يا صديقتي ما السبب وراء ذلك، إنكِ صديقتي العزيزة ومن واجبي أن أخلصكِ من كل مصائبكِ، فدعيني أقرض الشبكة لأجلكِ”.
الحمامة المطوقة: “إن قرضت لي الشبكة أولا أخشى أن تقل عزيمتك وتصاب بالإحباط من كثرة العمل والجهد، فتيأس ولا تحرر أخواتي الحمامات؛ ولكن إن أبقيتني الأخيرة فولائك لي سيحفزك للعمل بجهد أكبر وإتقان ولن تصاب بالملل”.
لم يصاب الجرذ بالاندهاش من كلام صديقته الحمامة المطوقة، حيث أنه يعلمها تمام العلم، ويوقن أنها لن تتراجع عن كلامها حتى وإن كلفها حياتها.
أما الغراب فأصابه الذهول من رؤياه لمدى وفاء الجرذ ومدى مبادئ وحكمة الحمامة الصغيرة المطوقة.