السماء كانت برتقالية… نار ودخان وانفجارات.
الطيار “عماد” كان في مهمة استطلاع روتينية فوق الخطوط المعادية، لكن الدفاعات الأرضية كانت يقظة هذه المرة.
صاروخ واحد فقط… وانفصل عن الطائرة، يتدحرج في الهواء، وقلبه يسبق جسده.
فتح المظلة.
سقط في أرض معادية، تبعد عن وحدته أكثر من ستين كيلومترًا.
أول ما فعله: دفن الخوذة والبدلة الزائدة، أي شيء يدل على أنه طيار.
كان يمشي ليلاً فقط، يتجنب القرى ويتفادى أي ضوء. نام تحت الصخور، شرب من ماء البرك، وأكل الجذور.
لكن الجوع لم يكن المشكلة… المشكلة بدأت في اليوم الثالث.
في أحد الحقول، التقى بـ “فارس”، فتى صغير لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره، يراقبه بصمت. لم يهرب ولم يصرخ… فقط قال:
“أنت منهم؟ أم منا؟”
عماد لم يرد، لم يعرف ماذا يقول. لكن الفتى أخرج قطعة خبز يابسة ومدّها له، وقال:
“لا تهمني هويتك. الجوع أقوى من السياسة.”
ظل معه يومين. دلّه على طرق غير موجودة في الخرائط، أخذه إلى بئر مهجور به ماء نقي، ثم قال:
“أستطيع مساعدتك في الوصول إلى الغرب، لكن علينا قطع طريق الميليشيا.”
وفي تلك الليلة، سمعوا الكلاب تنبح… ثم صرخات.
المجموعة المسلحة التي تسيطر على تلك المنطقة لم تكن ترحب بالغرباء.
اختبأ عماد والفتى في حفرة، لكنهم اقتربوا.
قال عماد للفتى:
“اركض، لا تخرج معي، إذا رأوك سيقتلونك.”
لكنه لم يركض.
الفتى صرخ فجأة:
“أنا وحدي هنا! لم أرَ أحدًا!”
ثم رمى حجرًا في الاتجاه المعاكس لتشتيتهم.
كان ذلك كافيًا ليسمح لعماد بالهرب.
لكن حين التفت خلفه… لم يكن الفتى هناك.
نجح عماد في الوصول إلى حدود قواته بعد ثمان وأربعين ساعة.
لكنه لم يتحدث عن الفتى، ولم يذكره في التقرير.
عاد إلى الجبهة بعد أسبوع، وتطوع في وحدة إجلاء المدنيين.
وعندما سأله قائده:
“لماذا تغيرت فجأة؟ كنت طيارًا، والآن تمشي على الأرض!”
رد عماد وهو يحدق في الأفق:
“لأني سقطت من السماء… ووجدت ملاكًا لا يطير.”