بيوم من الأيام رحل حاكم البلاد بعد إصابته بمرض عضال، وبطبيعة الحال أرسل ملك البلاد حاكم آخر ليحكم البلاد بالنيابة عنه.

وكما متعارف عليه ذهب أعيان البلاد وكبرائها والعلماء بالهدايا وبأطيب التهاني والمباركات للحاكم الجديد حتى ينالوا رضاه من البداية، وكانوا يباركون له ويهنئونه معلنين عن طاعتهم له وولائهم.

كان الحاكم الجديد قد سمع كثيرا عن جحا، فسأله عنه معظم الموجودين، ومن بينهم كان صديقه والذي تمكن من الهرب من القصر والذهاب مسرعا لصديقه جحا وإعلامه بمدى رغبة الحاكم الملحة في رؤيته.

كما أخبره أنه قد أخبر الحاكم بأنه في طريقه للقصر، أوصاه بألا يذهب للحاكم بيدين فارغتين، لم يستطع جحا تحديد الهدية، ولم يستطع أخذ سوى ثلاثة ثمرات من الأناناس، وكانت حينها ثمرة الأناناس نادرة حيث أنها ليست بأوانها، وضعهن على صينية وسار في طريقه للحاكم، وأثناء الطريق كانت تهتز الثمرات بطريقة مزعجة، فأخذ جحا يعدل منهم ولكن الأمر انتهى بأكل جحا ثمرتين منهن.

وعندما وصل كانت بحوزته ثمرة واحدة من الأناناس، فأعطاها للحاكم والذي سر كثيرا بها، وقال لجحا: “أتعلم على الرغم من بساطة هديتك إلا إنك تستحق عليها مكافئة يا جحا”.

فأمر له بكيس مملوء من الأموال، وعندما عاد لزوجته كانت فرحة كثيرا بالأموال مثله وأكثر منه، فقرر أن يعاود الكرة مه الحاكم ولاسيما أنه لقي إعجاباً شديداً منه وترحاباً.

فاشترى سلة من البنجر، وعندما كان في طريقه للحاكم رآه صديقه وسأله عن البنجر، فأخبره القصة كاملة، فاقترح عليه صديقه أن يأخذ له شيئا بخلاف البنجر، واقترح عليه فاكهة التين.

وبالفعل عاد جحا للسوق وانتقى أفضل ثمرات التين، وذهب بها للحاكم، وعندما رآه الحاكم استشاط غضبا وأمر رجاله أن يلقوا بجحا خارج القصر ويضربوه بالتين على رأسه وكامل جسده، وكلما جاءت عليه تينة حمد الله وأثنى عليه.

فتعجب الحاكم من أمره، وعندما سأله عن السبب أجابه جحا قائلا: “أحمد الله لأنه لطيف بي حيث أنه بعث لي بصديقي ليعدل رأيي عن إحضار البنجر، وإلا زماني الآن مشقوقة رأسي وعيني فقأت وأنفي كسرت بسبب حبات البنجر التي كانت ستلقى علي بأمر من جلالتك”.

وم من الأيام اشتهى جحا أن يأكل اللحم المشوي، فذهب إلى الجزار بمنطقته وطلب منه قطعة معينة من اللحم، فأعطاه الجزار إياها في الحال.

عاد جحا للمنزل وطلب من زوجته طهي قطعة اللحم كما يحبها باليوم التالي ليهنأ بأكلها فور قدومه من العمل؛ وبالفعل باليوم التالي قامت الزوجة بطهي قطعة اللحم بالطريقة التي يحبها زوجها جحا، وأثناء ذلك أتى شقيقها لزيارتها واشتهى اللحم من رائحته المنبعثة بكل الأرجاء، كان شقيقها شره بالأكل وهي لا تختلف عنه كثيرا، فجلسا كلاهما وقضيا على قطع اللحم بأكملها.

ولما انتهى شقيقها من أكل الطعام غادر المنزل، وبعدها فكرت زوجة جحا في خطة للخروج من المأزق قبل عودة زوجها من عمله، فأحضرت قطع من الخيار وقامت بوضعها بقدر اللحم ورفعتهما على النار، وعندما جاء جحا طلب الطعام، فجاءت بحساء الخيار ووضعته أمامه، وعندما شرع في الأكل استنكر ما يأكله فنادى على زوجته وقال لها: “ما هذا؟!، إنه خيار يا زوجتي”.

فقالت له زوجته متعجبة من أمره: “كلا، إنه لحم”!

فقال جحا متعجبا: “يا للعجب اللحم صار خياراً، ولكن الحساء حساء لحم، يا لعجب الزمان الذي صرنا به”.

قالت زوجته: “ربما يكون اللحم نفسه مغشوشا، لذا لا تتعامل مع هذا الجزار مرة أخرى، واشتري من الجزار الثاني في المرة القادمة”.

فقال لها جحا: “هذا ما كنت أفكر فيه يا زوجتي”.

وباليوم التالي ذهب جحا لجزار آخر واشترى منه قطعة لحم، وعندما عاد بها لمنزله قال لزوجته: “لا أظن بهذه المرة سيتحول اللحم لقطع من الخيار، فقد اقتطع لي البائع أفضل ما عنده”.

وضعت زوجة جحا اللحم على النار، ومن جديد جاءها شقيقها والذي كان يحب اللحم بشراهة، فلما أكله وانتهى منه كله قامت الزوجة بوضع قطع من الخيار مرة أخرى بالحساء، وقدمتها لزوجها عندما عاد من العمل.

صرخ جحا غاضبا: “إنه خيار، ولن آكله”.

فقالت له الزوجة: “لا تشتري لحما ثانيا يا جحا، لقد سمعت من الجيران أن اللحم يتحول لخيار عند طهيه”.

فراح جحا يسأل جيرانه عن أمر اللحم الذي يتحول لخيار، ضحكوا جميعا منه وظنوا أنه قد فقد عقله؛ فذهب للجزار وسأله عن تحول اللحم لخيار أيضا، فقال له الجزار: “يا جحا لا يمكن للحم أن يتحول إلى خيار، هذا أمر مستحيل حدوثه أو حتى تصديقه”.

فاشترى منه جحا قطعا من اللحم، وعاد لزوجته وقال لها: “يا زوجتي اطهي هذا اللحم لي غدا، فقد أحببت مذاق اللحم الخيار”.

وباليوم التالي طهت زوجته اللحم، وأتاها شقيقها كعادته وجلست بجواره يتناولان اللحم، فجاءهما جحا وهما على نفس الحال، فأمسك جحا بشقيق زوجته وقام بوضعه داخل صندوق كبير، وأغلق عليه وراح يدعو أهلهما ليريهما ما الذي تفعله زوجته به وشقيقها.

وبعد أن غادر زوجها، فتحت الصندوق وأخرجت شقيقها ووضعت بدلا منه جحشا صغيرا لجارهما، وأغلقت الصندوق كما كان.

ولما أقبل جحا وكان قد أحضر والد زوجته ووالدتها وأصدقائهما وبعض الجيران، ولما فتح الصندوق خرج منه الجهش ينهق، فقالوا له جميعا: “يا جحا إنك مجنون”.

فخجل جحا من شكله أمامهم جميعا، ونظر لزوجته وقال: “إن الزوجة التي تحول اللحم لخيارٍ قادرة على أن تحول ابن آدم لحمارٍ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *